تفسير الآية الكريمة (فاستقم كما أمرت ومن تاب معك..)
يقول الله -تعالى- في محكم كتابه: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾. هذه الآية تتواجد في سورة هود، وهي من السور المكية التي تحتوي على 123 آية. وقد تم تسميتها باسم نبي الله -عليه السلام- هود. في ما يلي، سوف نستعرض تفسير هذه الآية المباركة.
معنى الاستقامة
لقد أُمر النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- بالاستقامة، وتعريف العلماء للاستقامة يتضمن عدة معاني، من أبرزها:
- الثبات على تنفيذ الأوامر وترك النواهي.
- التزام طاعة الله -تعالى- بكل جوانبها.
- أداء الواجبات كافة وترك جميع المحرمات، مما يعد من الأمور العظيمة التي لا يستطيعها إلا كبار الرجال.
تفسير (كما أمرت)
أوضح العلماء أن الاستقامة تكون صحيحة فقط إذا كانت مطابقة لأوامر الله -تعالى-. فالمؤمن يستقيم من خلال الالتزام بالأوامر وترك النواهي التي أوصى بها الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-. لذا، لا يمكن أن يكون العبد مستقيماً إلا إذا كانت استقامته ناتجة عن الطاعة لله، وليست عن العجز أو الضعف.
تكون الاستقامة على أكمل وجه عندما يسعى الشخص إلى التبليغ والتعليم والنصح والإرشاد. ومن يرغب في تحقيق الاستقامة عليه الالتزام بالكتاب والسنة، حيث لا يمكن تحقيق الاستقامة بعيداً عنهما.
تفسير (ومن تاب معك)
تشير الآية الكريمة إلى أن الأمر بالاستقامة ليس حصراً على النبي -صلى الله عليه وسلم-، بل يشمل الجميع. فتعني عبارة (ومن تاب) كل من تاب من الشرك، أو عاد إلى الطاعة، أو تجنب الشرك وعاد إلى التوحيد. هذا يعم الصحابة الكرام ومن تبعهم بإحسان.
تفسير (ولا تطغوا)
تفسير قوله -تعالى- (ولا تطغوا) جاء وفق الآراء التالية:
- الطغيان هو تجاوز الحدود.
- التواضع وترك الكبرياء والتجبر.
- عدم تجاوز حدود الله في تحليل المحرمات أو تحريم الحلال، حيث يُعتبر ذلك تعدي على أوامره.
- يشير إلى عدم التخلي عن الإسلام بعد التوبة.
- عدم ظلم النفس أو الآخرين.
تفسير (إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)
تتضمن هذه الآية تحذيراً لمن يتخلى عن الاستقامة ويتجاوز الحدود في الطغيان والمعاصي، حيث يُذكر أن الله -تعالى- على علم بكل أفعالهم، ولا يخفى عليه ما يقومون به، وسيجازيهم بما عملوا.
أحاديث نبوية حول سورة هود
وردت عدة أحاديث نبوية تتعلق بسورة هود، ومنها:
- قال أبو بكر -رضي الله عنه-: (يا رسول الله، قد شِبْتَ! فقال: شَيَّبَتْني هود والواقعة والمرسلات، وعَمَّ يتساءلون، وإذا الشمسُ كُوِّرَتْ).
- قال -صلى الله عليه وسلم-: (شيبتني هود وأخواتها قبل المشيب).
ذكر العلماء أن قول النبي -صلى الله عليه وسلم- (شيبتني هود) يعود إلى ما ورد فيها من أحوال الأمم السابقة وما حلّ بها من عذاب، وكذلك العقوبات التي نزلت بها نتيجة تركهم لأوامر الله وطغيانهم. كما أن سورة هود وأخواتها تحتوي على ذكر لأهوال يوم القيامة، مما يُشيب لهول تلك الأوصاف.