مفهوم تربية النفس
تُشتقّ كلمة التربية من الفعل (ربّى)، والذي يُشير جذره اللغوي إلى المعاني الأساسية: “النمو والازدياد والعلو” وفقًا لما ورد في معجم مقاييس اللغة لابن فارس. عمومًا، يُستخدم مصطلح التربية للإشارة إلى التهذيب والارتقاء بالمستوى الاجتماعي. وفي سياق التعريف الاصطلاحي، يختلف المفهوم وفقًا للرؤى الفلسفية التي تتبناها المجتمعات الإنسانية في تنشئة الأجيال الجديدة، بغرض ترسيخ القيم والثقافات. لذا، تُعرَّف تربية النفس بأنها العملية التي يُعنى فيها الفرد بتدبير نفسه وتهذيبها بحيث تزدهر وتنمو، بما يتماشى مع المعنى اللغوي للكلمة.
خصائص النفس البشرية
تشير النصوص القرآنية إلى أن الإنسان خُلق ليكون خليفة الله على الأرض، حيث أُعطي طاقات فريدة تميزه عن باقي المخلوقات، مثل: طاقة المعرفة، والإرادة القوية، والقدرة على الفعل والصراع من أجل المبادئ والقيم، بالإضافة إلى الاتجاه نحو الله والبحث عن هديه، والتمتع بنعمة الاستقرار في الحياة. ولكن، على الرغم من هذه القدرات، توجد في النفس البشرية نزعة نحو الانغماس في الشهوات، مما يُعد نقطة ضعف مركّبة.
تتميز الطبيعة البشرية بأنها مزدوجة؛ إذ يمكن للإنسان أن يرقى بنفسه إلى أعلى المراتب من خلال اتباع القيم النبيلة، أو يهبط بها إلى أدنى درجات الهابطة. ولأن التربية تعني النمو والرقي، فإن الغرض الأساسي من تربية النفس هو تعزيز القدرة على ارتقاء النفس البشرية والسمو بها.
أساليب تربية النفس
هنا نقدم بعض الخطوط العريضة لعملية تربية النفس بأسلوب عملي، بدءًا بتحديد المصادر التي يمكن الاعتماد عليها لمعرفة الصواب والخطأ، ثم العمل على تخليصها من المشكلات المتكررة، وفي النهاية، السعي في طلب العلم وتطبيقه. وفيما يلي توضيح ذلك:
تحديد معايير الخير والشر
في كل ما يقوم به الإنسان، ينبغي أن يتبع منهجًا يوجهه نحو الطريق الصحيح؛ ليتمكن من تقويم ذاته وتحديد الضوابط للسلوك. تربية النفس ليست استثناءً من ذلك، فمعرفة الخير والشر تُثري سعادة الفرد ونجاحه في الحياة. يتعين عليه دراسة أصول الخير والشر ومراقبتها؛ ليتمكن من تبني وسائل الخير وتفادي مكامن الشر. ومن مصادر هذا الوعي: التأمل في القرآن الكريم، والسنة النبوية، ودراسة تاريخ الشعوب السابقة.
تخليص النفس
من الأساليب الفعالة لتربية النفس، التعامل مع المشكلات فور ظهورها. يحتاج الفرد إلى تخصيص وقت للتأمل الذاتي، حيث يمكنه تقييم آلامه والمشكلات التي لم يتمكن بعد من معالجتها. فمن المؤكد أن تأجيل حلّ هذه المشكلات يمكن أن يشكل عائقًا أمام تطور النفس، وقد يتسبب في انفعالات سلبية مثل الغضب أو الاكتئاب، مما يؤدي إلى تراجع الحالة النفسية للفرد.
تحسين النفس
بما أن الهدف من التربية هو السمو بالإنسان وإتاحة إمكانياته للعمل والإبداع، يُفترض على الفرد أن يعزز من نفسه بالمعرفة والقدرة على الأفعال. ينبغي الانشغال بتطبيق المعارف المكتسبة في الحياة اليومية، لضمان تحقيق النمو المستدام.