ما هو تفسير القرآن الكريم؟
التفسير، من الناحية اللغوية، يعني توضيح المعاني وكشفها. أما في الاصطلاح الشرعي، فيعرف بأنه علم يدرس كيفية فهم ألفاظ القرآن الكريم، وبيان ما يحتويه من دلالات وأحكام وتركيبات ومعاني.
يمكن تعريف التفسير أيضًا بأنه توضيح المعنى المقصود من اللفظ القرآني. وقد عرفه الزركشي بأنه: “علم يعين على فهم الكتاب الكريم الذي أنزله الله تعالى على نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-، ويبين معانيه استخراج أحكامه وتفسيره”.
أصول علم التفسير
أنزل الله القرآن الكريم بلغة العرب، مستخدمًا أساليب التعبير الشائعة بينهم. فلا يوجد لفظ في القرآن من غير اللغة العربية. وإذا ورد لفظ غير عربي، فهو من قبيل التوافق. وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يوضح للصحابة -رضوان الله عليهم- ما غمض عليهم من الآيات القرآنية، مفسرًا لهم ما يتعلق بها.
ولأن الصحابة -رضي الله عنهم- هم الأكثر فهماً للقرآن بفصاحتهم وإلمامهم باللغة، كانت فترة نزول القرآن خلال حياتهم، مما مكنهم من معرفة أسباب النزول. غير أن بعضهم، خشية الخطأ، امتنع عن التفسير، مقتصرين على ما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث تشكلت بذلك مدرسة التفسير الأولى. ثم ظهرت المدرسة الثانية التي أضافت ما اجتهد فيه العلماء وفق القواعد المقررة في التفسير.
فضل تفسير القرآن الكريم
ينتج عن علم التفسير العديد من الفضائل، وبعضها يتبين في النقاط التالية:
- فهم كلام الله -عز وجل- وإدراك معانيه، حيث يُعتبر فهم القرآن أساسًا لكثير من العلوم الشرعية الأخرى، كما أن الانشغال في علم التفسير يُعد من أفضل الأعمال.
- اختص الله -تعالى- علم التفسير بالمزيد من التكريم، فمن يتعلمه ويعلمه يرتفع مقامه. إذ يُعتبر العلم بالقرآن من أفضل العلوم لأنه يشمل العديد من العلوم النافعة مثل أصول الإيمان والآداب والسلوك.
- يوضح كيفية الاعتصام بالله -تعالى- من الضلالة، فتعتمد الحماية من الضلال على فهم ما أنزل في القرآن واتباع هداه.
- العلم بالتفسير يعد بمثابة وراثة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، حيث يُعتبر المفسر messenger of the message.
- المفسر يتفوق على غيره بلا شك؛ فهو يدخل في زمرة خير الأمة، كما جاء في حديث عثمان بن عفان -رضي الله عنه-، حيث قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه).
أساليب تفسير القرآن
تعتمد أساليب تفسير القرآن على عدة طرق، منها:
- التفسير التحليلي: يتضمن تفسير كل سورة وآية بترتيبها، وهو النهج الذي كان يتبعه معظم العلماء القدامى.
- التفسير الإجمالي: يلتزم فيه المفسر بتفسير السور ويتناول الموضوعات المحددة داخلها، بحيث تُفهم الآيات بشكل مجمّل مع إبراز المقاصد.
- التفسير المقارن: يتناول مجموعة من الآيات في موضع واحد، ويراجع أقوال المفسرين فيها ليقارن بينها وينقد ما هو ضعيف.
- التفسير الموضوعي: يعتمد على تجميع الآيات المتعلقة بموضوع معين وتفسيرها ككل وصولًا إلى الحكم النهائي.
أنواع ومناهج تفسير القرآن
التفسير بالمأثور
يهدف هذا النوع إلى بيان معنى الآية بناءً على آيات أخرى من القرآن، وما ورد عن السنة النبوية وأقوال الصحابة -رضي الله عنهم- الذين شهدوا التنزيل. يعدّ هذا النوع من أرقى أنواع التفسير، وبرزت فيه مؤلفات عديدة، منها “جامع البيان عن تأويل آي القرآن” لمحمد بن جرير الطبري.
أمثلة تفسير القرآن بالقرآن
هناك العديد من الأمثلة على تفسير القرآن بالقرآن، مثل:
- تفسير الآية: (ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت) بتفسيرها في سورة الأعراف.
- بيان المجمل: (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) بالتفصيل فيما يتعلق بالمحرمات.
- تقييد المطلق: الآية “حرمت عليكم الميتة والدم” مقيدّة بآية أخرى.
- تخصيص العام: (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنّ) بالتفصيل بناءً على الأحاديث.
- تفسير الآية: (إن الإنسان خلق هلوعًا) بناءً على ما تبعها من آيات.
أمثلة تفسير القرآن بالحديث الشريف
هناك أيضًا أمثلة تفصيلية لتفسير القرآن بالحديث، مثل:
- تفسير الآية: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات) بالإشارة لحديث أبي هريرة عن حب الله للعبد.
- شهادة ابن مسعود -رضي الله عنه- على معنى آية (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم).
- تفسير الآية: (وجيء يومئذ بجهنم) وفق ما ورد في حديث رسول الله.
- تفسير الآية: (سبح بحمد ربك) بناءً على ما عُرف عند عائشة.
أمثلة تفسير القرآن بأقوال الصحابة
تعتبر تفسيرات الصحابة من أهم التفسيرات، كقول ابن عمر بشأن الكنز في الآية المعنية، وأيضًا تفسيرات ابن عباس لكلمات مختلفة في القرآن.
التفسير بالرأي
ذُكرت هذه الطريقة كوسيلة للتفسير وفق اجتهاد المفسرين وفهمهم للغة العربية. تشمل كتب مشهورة مثل تفسير البيضاوي والنسفي.
يقسم التفسير بالرأي إلى نوعين:
- التفسير المحمود: الذي يتفق مع مقاصد الشريعة ويلتزم بقواعد اللغة.
- التفسير المذموم: الذي ينطلق من هوى أو جهل، مما يؤدي إلى فهم مغلوط.
التفسير الإشاري
وهذا النوع يستنبط المعاني الخفية، التي تشكلت من خلال تأويلات عميقة يختص بها العلماء المتدبرون.
التفسير الفقهي
يعني بالآيات المتعلقة بالأحكام الشرعية، ويهتم المفسرون ببيان الحكم والاختلاف في تفسيرات الفقهاء.
برزت كتب في هذا المجال منها: “تفسير أحكام القرآن” للجصاص و”تفسير الجامع لأحكام القرآن” للقُرطبي.
أهمية علم التفسير
يعدّ علم التفسير أحد أهم العلوم الإسلامية، إذ يُعتبر فهم القرآن ضرورياً للقارئ والمتفقه، وينعكس ذلك على جوانب متعددة مثل العلاقة بكلام الله وأهمية الاعتصام بدينه.
يعتمد تحقيق المعرفة الشرعية التي تتطلبها الحياة اليومية على الفهم العميق لكتاب الله.
شروط المفسر
حدد أهل العلم عدة شروط يجب توفرها لمن يتعامل مع تفسير القرآن:
- الإيمان العقيدة الصحيحة، حيث يؤثر الإيمان على الفهم الدقيق.
- الاستغناء عن الهوى، وتجنب التأثيرات السلبية.
- اتباع القرآن بالقرآن، حيث يُفصّل المجمل.
- مراجعة السنة النبوية لتفسير الآيات.
- العودة إلى أقوال الصحابة -رضي الله عنهم- لكونهم شهداء الوحي.
- استشارة أقوال التابعين عند انعدام التفسير المناسب.
- معرفة تامة باللغة العربية وقواعدها.
- المعرفة بعلوم القرآن وطرق قراءته.
- وضع الفهم الصحيح مع الدقة في استنباط الأحكام.