ما هو الأدب المقارن؟
يُعتبر الأدب المقارن، الذي يعرف بالإنجليزية بـ (Comparative Literature)، مجالاً دراسياً يركز على دراسة الأدب ضمن مختلف الثقافات والأمم وأنماطها المتعددة. يتناول الأدب المقارن تحليل العلاقات بين الأدب وأشكال التعبير الثقافي المتنوعة، مع التأكيد على أهمية طرح أسئلة جوهرية مثل: ما هي مكانة الأدب في المجتمع؟ كيف تتغير أنماط الأدب مع الزمن؟ ما هي العلاقة بين الأدب وفنون التعبير الأخرى؟ وكيف يساهم الأدب في تشكيل القيم الاجتماعية والحركات السياسية ومدى استجابته لهذه الظواهر؟
تتضمن بعض الدراسات المرتبطة بالأدب المقارن مجالات مثل الدراسات الدينية والعرقية والفلسفية، نظراً لتنوع المسارات الثقافية والأدبية والفترات الزمنية لهذه التخصصات.
أصول الأدب المقارن وتطوره
يهدف الأدب المقارن إلى فهم أشكال التعبير الثقافي بدقة، ودراسة ومقارنة أنواع الأدب المرتبطة بأكثر من لغة واحدة. ويمكن تلخيص تاريخ الأدب المقارن من خلال النقاط التالية:
- تعود أصول الأدب المقارن إلى القرن التاسع عشر، عندما ظهرت مجالات أخرى مثل فقه اللغة المقارن والقانون المقارن، بهدف التعرف على القواسم المشتركة بين مختلف الآداب.
- تُعتبر فرنسا أول بلاد انطلقت منها حركة الأدب المقارن، حيث قام جان فرانسوا ميشيل نويل بجمع ونشر عدة نصوص عام 1816.
- ظهر مصطلح الأدب المقارن لأول مرة في مؤتمر عام 1868 على لسان تشارلز أوغستين سانت بوف كنوع من الدراسة.
- ظهرت أول مجلة مختصة بالأدب المقارن في عام 1877 في كلوج، رومانيا، تحت مسمى “مجلة الأدب المقارن”.
- انتشر مصطلح الأدب المقارن باللغة الإنجليزية بفضل هتشسون ماكولاي بوسنيت في عمل نُشر عام 1886 تحت عنوان “الأدب المقارن”.
أهمية الأدب المقارن
يشغل الأدب المقارن مكانة مهمة في عدة مجالات معاصرة، وليس فقط في الأدب، بل يمتد تأثيره إلى الإعلام، التجارة، الصحة العالمية، والمجالات الأكاديمية. وتبرز أهميته في النقاط التالية:
- يمثل الأدب المقارن أحد الأسس الأساسية في المجالات التي تتطلب مهارات كتابية قوية، تفكير نقدي وفهم للغات الأجنبية.
- يتضمن الأدب المقارن، سواء كاختصاص رئيسي أو فرعي، مجموعة من التخصصات مثل التاريخ، السياسة، الفلسفة والثقافة.
- يتطلب الأدب المقارن مهارات متقدمة في تعلم اللغات الأجنبية، وبالتالي يُعزز من قدرة الفرد على mastering اللغات.
- يعزز الأدب المقارن الفهم العميق للاختلافات، التعدد والتنوع الثقافي.
- يتيح الأدب المقارن التحضير للدراسات العليا والإعداد الأكاديمي.
موضوعات الأدب المقارن
تشمل موضوعات الأدب المقارن مجموعة متنوعة من الاختصاصات، ومن أبرز هذه الموضوعات:
الأدب المقارن والأدب العالمي (Comparative and World Literature)
يهدف الأدب المقارن والعالمي إلى استكشاف “الآداب العالمية” بمكوناتها المتنوعة ما بين لغات وثقافات، مع التركيز على التحليل النقدي للأنواع الأدبية، والتاريخ الثقافي، والنظريات والمنهجيات في مختلف المجالات الأدبية، الثقافية واللغوية. يتعامل هذا المجال مع الأبحاث التي تتحدى الآراء السائدة ويدرس تأثيرات وتفاعلات هذه التخصصات.
دراسات وسائل الإعلام المقارنة (Comparative Media Studies)
تشكل الدراسات الإعلامية جزءاً مهماً من الأدب المقارن، حيث تهدف إلى تحليل وسائل الإعلام المختلفة مع الحفاظ على العناصر الثقافية واللغوية ضمن إطار الهوية الوطنية، مع تقبل التنوع الثقافي العالمي في الأشكال الإعلامية والفنية المتنوعة.
الدراسات النقدية للعرق والجنس (Critical Studies of Race, Gender, and Sexuality)
تعد هذه الدراسات مجالاً حساساً يتطلب بحث تباينات العرق والجنس وتأثيرها على المعرفة الاجتماعية والسياسية، وقد حظيت باهتمام العديد من الأكاديميين الذين قدموا مساهمات هامة في دراسة الفرق بين الأدب والنظريات المتعلقة بالعرق والجنس. تشمل الأبحاث مناطق مختلفة بما في ذلك أمريكا اللاتينية والهند وأفريقيا وشرق آسيا.
النظرية الأدبية ودراسات الترجمة (Literary Theory and Translation Studies)
تتناول هذه الدراسات الأسئلة المرتبطة بجميع خصائص اللغة بما يتعلق بالمعنى والشكل في الأدب، حيث تختص غالباً بالأبحاث في التحليل النفسي والفلسفة الأوروبية، مع التركيز على جوانب مشتركة بين الثقافات من خلال أبحاث اللغة.
الأدب والعلوم والبيئة (Literature, Science, and the Environment)
يهدف الباحثون في الأدب المقارن إلى دراسة المسائل التي تربط بين العلم والأدب، مما يعزز العلاقة بين النظرية الأدبية والعلوم الإنسانية، مستندين إلى منهجيات متخصصة في الأدب والعلوم، ودور النظرية النقدية في التغير المناخي.
مدارس الأدب المقارن
تشمل مجالات الأدب المقارن تخصصات متعددة مثل الأدب، علم النفس، التاريخ، وعلم الاجتماع، وغيرها. وتختلف المدارس في تفسيرها للأدب المقارن كما يلي:
المدرسة الفرنسية للأدب المقارن
تأسست فكرة الأدب المقارن في فرنسا خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، حيث ينظر إليه كجزء من التاريخ الأدبي وتحليل الأعمال الأدبية المؤثرة.
المدرسة الأمريكية للأدب المقارن
ظهرت المدرسة الأمريكية في وقت لاحق على يد علماء هجروا من ألمانيا في فترة حكم هتلر، حيث نستوعب الأدب المقارن كتحليل الدراسات الأدبية خارج الدولة، مع تركيزها على النقد الأدبي.
خصائص الأدب المقارن
يعتمد الأدب المقارن على مجموعة من المبادئ والخصائص تشمل:
- توجيه الأسئلة حول الأدب المقارن بطريقة “كيف” بدلاً من “ماذا”.
- اعتماد المنهجيات المنظمة والافتراضات النظرية في دراسة الثقافات والآداب.
- التعمق في فهم أنواع الأدب المتعددة واللغات.
- دراسة أشكال الفنون الأخرى ومجالات العلوم الإنسانية والاجتماعية.
- فتح المجال للاطلاع على الآداب واللغات الأخرى مع التركيز على اللغة الإنجليزية بشكل أساسي.
- التركيز على الأسس الأدبية في الجانب الثقافي بغض النظر عن النوع.
- الدقة في تحليل السياسة والأيديولوجية ضمن البحث الأدبي.
- بناء دراسات متعددة التخصصات تشمل جميع جوانب الموضوع.
- الالتزام المهني للمختصين في تطبيق منهجيات الأدب المقارن.
أبرز رواد الأدب المقارن
هناك العديد من الشخصيات البارزة في مجال الأدب المقارن، وأهمها:
جورج براندس
يعتبر أب الأدب المقارن، عاش بين عامي 1842 و1927، وكان شخصية فضولية تهتم بالأدب وتحدث بعدة لغات، وله تأثير كبير في الثقافة الأوروبية.
ويليك فليك
عاش بين عامي 1903 و1995، وقدم مساهمات بارزة في أدب المقارن، وهو من أصول تشيكية ونشأ في عائلة ثقافية.
هنري ريماك
مؤسس فعال في الأدب المقارن، عُرف بمشاركته في تأسيس برامج أكاديمية على مدار 60 عاماً.
أبرز الكتب عن الأدب المقارن
تتوفر العديد من الكتب التي تناقش الأدب المقارن وخصائصه، ومن بينها:
الأدب المقارن: أصوله وتطوره ومناهجه – أحمد الظاهر مكي
كتاب يقدم آراء جديدة حول الأدب المقارن ويقوم بتجميع أعمال أدباء عبر الزمن.
الأدب المقارن – فان تيجم
يلقي هذا الكتاب الضوء على تحليل الأدب من الزوايا المختلفة وعلاقتها مع بعضها البعض.
الأدب المقارن – فرانسو غويار
يركز هذا الكتاب على النظريات والمنهجيات الأساسية للأدب المقارن ويعتبر من الأعمال البارزة في هذا المجال.