تعريف الرهن في الإسلام
يمكن تعريف الرهن في اللغة بأنه حبس الشيء وثباته، أما في الاصطلاح الفقهي، فقد تباينت الآراء حول معناه. فالأحناف يطلقون عليه “حبس شيء مادي مقابل حق يمكن استيفاؤه”، وهو يعتبر مالاً يُعدّ وثيقة لدين حتى يتم تسويته في حال تعذر على المدين السداد. بمعنى آخر، الرهن هو المبلغ المالي المقدم كضمان للدين، بحيث يمكن استيفاء الدين من عين ما تم رهنه كلياً أو جزئيًا في حال عدم القدرة على السداد.
الأصل في الرهن هو أن يكون متعلقًا بأعيان معينة، مثل الممتلكات الثابتة كالعقارات والمزارع، أو المنقولة كالمركبات والآلات.
شرعية الرهن في الإسلام
ثبتت شرعية الرهن في الكتاب والسنة، ويستند ذلك إلى الأدلة التالية:
- القرآن:
ذُكر في قوله تعالى: (وَإِن كُنتُمْ عَلَىٰ سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ)؛ حيث توضح هذه الآية الكريمة مشروعية الرهن لحماية حقوق الأفراد فيما يتعلق بالأموال، والسماح بإجراءات الرهن أثناء السفر أو الإقامة.
- السنة:
رُوي عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قد اشترى طعامًا من يهودي إلى أجل مع رهن درعٍ من حديد، مما يشير إلى أن الهدف من الرهن هو توثيق الدين.
- الإجماع:
اتفق العلماء والمسلمون على جواز الرهن في جميع الظروف، سواء أثناء السفر أو الإقامة، حيث ورد في النص القرآني ما يثبت جواز الرهن أثناء السفر، وأيضًا تم تأكيد هذا الأمر في السنة النبوية الشريفة.
الحكم التكليفي للرهن
إن حكم الرهن في الإسلام هو الجواز المتفق عليه بين العلماء، وهذا لا يعني أن الرهن واجب، بل هو إرشاد وتوجيه. يعتبر الرهن من العقود التبرعية، مثل الكفالة والقرض والإعارة، وهو ما يوضح عدم إلزاميته.
يُعد الرهن من العقود العينية التي لا تكتسب الإلزامية إلا عندما يتم تسليم المرهون، كما أن ما يقدمه الراهن للمرتهن لا يُعتبر عوضاً.
أطراف عقد الرهن وشروطه
عقد الرهن، كأي عقد آخر، يتطلب توافر عدة أركان، وهي:
العاقدون
يتطلب وجود ثلاثة شروط في أطراف عقد الرهن، وتتمثل في:
- الاختيار: ينبغي أن يكون العقد برضا الطرفين (الراهن والمرتهن) دون إكراه.
- الملكية: يجب أن يكون أحد الأطراف مالكًا للشيء المرهون أو له حق التصرف فيه، مثل الوصاية أو الوكالة.
- الأهلية: يجب أن يكون الطرفان بالغين وعاقلين، وهناك من يجير صحة عقد الصبي المميز، ولكن المجنون وغير المميز يتطلب موافقة وليه لإتمام العقد.
الصيغة
شروط الصيغة في عقد الرهن تشمل:
- ضرورة أن لا تكون الصيغة مشروطة أو محددة بوقت مستقبلي؛ أي إذا كانت معلقة فسوف تبطل العقد، وفق مذهب الحنفية.
- بالنسبة للشافعية، يمكن أن يكون الشرط سليمًا أو باطلًا؛ حيث يُعتبر العقد صحيحًا إذا كان الشرط لاغيًا.
- المالكية تشترط أن يكون الشرط متوافقًا مع الأسس العقدية، فتعتبره باطلاً إذا كان متعارضًا.
- بالنسبة للحنابلة، يتمثل الشرط في كونه صحيحًا ومطابقًا للمقتضيات الشرعية؛ حيث قد يفسد الشرط الرهن أو لا.
المرهون
يجب توافر عدة شروط للمال الذي يتم رهنه، وهي:
- بحسب المالكية، جاز رهن المنفعة دون ضرورة أن تكون عيناً، على أن يُمكن بيع المرهون عند حلول الأجل.
- الحنابلة لديهم استثناءات لبعض الحالات المتعلقة بالمرهون، على أن يكون مملوكًا ومعروفًا.
- لم توافق الشافعية والحنابلة على جواز رهن مال الغير إلا بموافقتهم، بسبب عدم القدرة على التسليم.
- الأحناف اشترطوا أن يكون الشيء المرهون حاضراً، ولا يمانعون من رهن جزء من العقار أو السيارة.
المرهون به
تشترط الفقهاء شروط متعددة للمرهون به، منها:
- الشافعية يشترطون أن يكون الدين ثابتاً وموثوقاً، ولا يقبلون بأخذ الرهن مقابل الأعيان.
- المالكية يجيزون أخذ الرهن بكافة الأثمان، وينبغي أن يتم التسليم عند الإيجاد.
- الحنفية يوافقون على أخذ الرهن حتى ولو لم يستقر الدين، شريطة أن يكون مضمونًا.
- الحنابلة يرون صحة الرهن لكل دين سواء كان واجباً أو مبرمًا.
الحكمة من مشروعية الرهن
تم اعتماد الرهن لتخفيف الأعباء عن الأشخاص عند الضيق المالي، حيث يدعم ذلك كلاً من الراهن والمرتهن ويعزز التماسك الاجتماعي. يساهم الرهن في تخفيف الضغوط عن الراهن ويضمن حقوق المرتهن مع تحقيق عوائد تتوافق مع أحكام الشريعة، مما يسهم في بناء العلاقات الإيجابية بين الأفراد ويوسع نطاق التجارة ويحل العديد من المشاكل المالية.