تاريخ علم الفلك وأهم تطوراته عبر العصور

تاريخ علم الفلك

يعتبر علم الفلك من أوائل العلوم الطبيعية التي حققت تقدماً ملحوظاً في أساليب التنبؤ، ويمتاز بالنجاح الكمي المبكر مقارنة ببقية العلوم. ويرجع هذا التقدم إلى عدة عوامل، منها الاستقرار النسبي والبساطة التي اتسم بها علم الفلك في مراحله الأولى. إذ كان قديماً يُعتبر فرعاً من الرياضيات، كما ارتبط ارتباطاً وثيقاً بمفاهيم الدين والفلسفة.

استمرت التقاليد الفلكية عبر الزمن، حيث تم الحفاظ على بعض الملاحظات البابلية المتعلقة بكوكب الزهرة التي تعود إلى أوائل الألفية الثانية قبل الميلاد. وقد تمكن البابليون من تحقيق إنجازات رفيعة في علم الفلك بحلول القرن الرابع قبل الميلاد، وفي القرون الأربعة التالية، أحرز علماء الفلك اليونانيون تقدمًا ملحوظًا، معتمدين على الإنجازات البابلية وأساليبهم الفريدة.

في أوائل العصور الوسطى، أصبحت اللغة العربية هي اللغة السائدة في مجالات التعلم الفلكي، بعد أن كانت اليونانية في السابق. حيث أظهر علماء الفلك في الدول الإسلامية إبداعهم من خلال تحسين ما أنجزه اليونانيون. ومع إحياء التعلم في أوروبا أثناء فترة النهضة، تحولت الريادة إلى اللغة اللاتينية، وأصبح علم الفلك في أوروبا يعتمد على الفلك اليوناني وكذلك على الترجمات من اللغة العربية.

حركات الشمس والقمر والكواكب

منذ بداية الحضارة وحتى ذروة علم الفلك، كانت دراسة حركات الأجرام السماوية هي الأمر السائد، وقد كانت هذه الدراسة ضرورية لأغراض التنجيم، وتحديد الجدولة الزمنية، والتنبؤ بالكسوف. وتمثل العلاقة بين سير الأحداث السماوية والتقويم أهمية خاصة، حيث يعتمد عليها بعض الوظائف الأساسية للمجتمعات، مثل زراعة المحاصيل وموعد حصادها والاحتفال بالأعياد الدينية.

على الرغم من أن المصريين القدماء كانوا يعرفون الظواهر السماوية العامة، فإن دراستهم المنهجية للحركات السماوية لم تكن متطورة، حيث اقتصر تركيزهم بشكل أساسي على العلاقة بين فيضان نهر النيل وظهور نجم سيريوس. كما لم يتمكنوا من تطوير تقويم يعتمد على مراحل القمر بسبب تعقيده، مما أدى إلى عدم مساهمة الحضارة المصرية بشكل ملحوظ في تطور علم الفلك.

تشير الأدلة إلى وجود اهتمام أكبر بعلم الفلك في بعض المواقع الأثرية مثل المحاور الحجرية والدوائر الحجرية المنتشرة في أوروبا وبريطانيا العظمى، وأبرزها ستونهنج في إنجلترا التي ترجع إلى 3000 قبل الميلاد. كانت هذه المجموعة من الحجارة العملاقة بمثابة مرصد قديم يستخدمه الكهنة لمتابعة حركة الشمس عبر الأفق لتحديد بدء المواسم.

الجداول البابلية

خلال الفترة ما بين 1800 إلى 400 قبل الميلاد، أنشأ البابليون تقويماً يعتمد على حركة الشمس ومراحل القمر. وأثناء القرون الأربعة التالية، توجهوا نحو تطوير نماذج دقيقة للتنبؤ بظهور القمر الجديد لأول مرة، وتحديد بداية الشهر بناءً على ذلك الحدث.

المجالات والدوائر اليونانية

استعمل اليونانيون القدماء النهج الهندسي لفهم حركات الكواكب والنجوم بدلاً من الاعتماد على الأرقام. وقد تأثروا بفكر الفيلسوف اليوناني أفلاطون حول كمال الحركة الدائرية، حيث سعوا إلى تمثيل حركة الأجرام السماوية من خلال استخدام المجالات والدوائر.

كان أفلاطون هو الأول الذي قدم تصوراً يعتمد على هذا النهج، معتقداً أن كل كوكب يرتبط بمجموعة من المجالات المركزية المرتبطة بالأرض، لتدور حول محاور مختلفة مما ينتج الحركة المرئية. على الرغم من أن هذا النموذج لم ينجح في تفسير التباين في سطوع الكواكب، إلا أنه تم تضمينه في مفاهيم علم الكونيات لأرسطو في القرن الرابع الميلادي.

تجدر الإشارة إلى أن الحضارة الهيلينية حاولت دراسة الكون المادي، بينما تطورت الحضارة الهلنستية بعد فتوحات الإسكندر الأكبر على مدى القرون الأربعة التالية، حيث استعملت فيها آليات رياضية لتفسير الظواهر السماوية، وكان الأساس لمثل هذا النهج يتكون من مجموعة متنوعة من الدوائر المعروفة باسم الغرباء، والمرجئة، والدراجات.

Scroll to Top