الهجرة السرية: دعوة المسلمين في مكة
لطالما بذل الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- جهودًا حثيثة للدعوة إلى الإسلام في مكة، مستخدمًا كافة السبل الممكنة لنشر رسالته. ومع إيمان بعض سكان مكة بالدعوة الجديدة، ازداد غضب مشركي قريش، الذين شعروا بمخاطر دعوة الرسول التي تناولت عبادة الأصنام ونقد الوثنية.
نتيجة لذلك، قاموا بمحاربة المؤمنين، وتعذيبهم، وسجنهم، بل وقتلهم، مما جعل الهجرة السرية نداءً لكل مسلم للابتعاد عن أذى قريش.
الهجرة السرية: بصيص أمل للمسلمين المستضعفين
مع تزايد الأذى الذي تعرض له المسلمون المستضعفون، وازدياد المعاناة بعد سنوات من الاضطهاد والعنف نتيجة لإعلان الإسلام، كان من الضروري اتخاذ خطوات لحماية أنفسهم ضد الكفار.
قامت قبائل قريش بملاحقة المسلمين، ووجهت لهم تهديدات بالعذاب، حيث تعرض بعض المؤمنين للجوع والعطش، وأُجبروا على التعرض لأشعة الشمس الحارقة. كما عانى البعض من التعذيب الجسدي، حيث تم وضع صخور ثقيلة على صدورهم.
كان المشركون يسعون لإجبار المسلمين على العودة إلى الوثنية، مستخدمين أساليب تعذيب متعددة مثل صهر الحديد في الشمس الحارقة. وعندما سمع أبو جهل عن إسلام أحد التجار، هدد بإفلاسه، بينما تعرض الضعفاء للضرب والتحريض.
على الرغم من كل هذه المعاناة، زادت عزيمة المسلمين صمودًا وثباتًا، فلم يتخلوا عن إيمانهم، ولم تستطع قريش ثنيهم عن دعوة الإسلام. أمر الرسول -عليه الصلاة والسلام- المسلمين بالهجرة إلى الحبشة، حيث عُرف ملكها بعدله، مما شجع المسلمين على البحث عن الأمان في تلك الأرض.
كان الغضب القريشي متجددًا، ومخاطر بقائهم في مكة تحت هذه الظروف كانت عالية، مع وجود تهديد دائم من مشركي قريش الذين أرادوا القضاء على الإسلام. وبالتالي، كانت أسباب هجرة المسلمين إلى الحبشة متنوعة، مع التركيز بشكل خاص على الأذى الذي عانوا منه والعذاب الذي واجهوه.
هرب المسلمون حاملين معهم الدعوة إلى الإسلام، متجنبين الفتنة على دينهم الذي آمنوا به، إذ كانت قريش تمتلك قوى ونفوذ وتجمع علاقات مع الكثير من القبائل العربية.
ومع تزايد أعداد المسلمين وانتشار الإسلام، بدأ المشركون من قريش يشعرون بالخطر، وبدؤوا في ملاحقة المسلمين، مما دفع الرسول -عليه السلام- ليحث أتباعه على الهجرة إلى الحبشة، حيث كانت أكثر أمانًا.
يجب أن ندرك أن طبيعة العلاقات بين القبائل العربية وقريش منعت أي تعاون مع المسلمين في حال رغبتهم في الهجرة، كما لم يكن هناك مكان آخر مناسب في شبه الجزيرة العربية ليكون ملاذًا آمنًا لهم.
في النهاية، كانت الحبشة خالية من القبائل العربية، مما حال دون تشكل تحالف مع قريش ضد المسلمين. وكان لدى ملك الحبشة المعروف بعدالته، والمسيحيين الموجودين هناك، دور مؤثر في تشجيع المسلمين على الهجرة إلى بلاده.
الهجرة السرية: بداية دولة جديدة
تعتبر الهجرة السرية نقطة تحول رئيسية في نشر الإسلام في مختلف أنحاء العالم، إذ مهدت الطريق للهجرة الكبرى إلى المدينة المنورة. بعد ذلك، استقر الرسول -عليه الصلاة والسلام- في المدينة، حيث قام مع الصحابة ببناء مسجد وأخوة بين المهاجرين والأنصار.
بهذا ترابط المسلمون معًا، وتأسست الدولة الإسلامية القوية التي منحت الفتوحات الإسلامية دفعًا إضافيًا، وساهمت في انتشار الإسلام في أقطار العالم بصورة لم يكن المسلمون يتوقعونها.