الأندلس
تميزت فترة الفتوحات الإسلامية بعهدها المجيد وانتشارها في جميع أنحاء العالم، حيث تمتد تأثيراتها إلى مختلف القارات والشعوب. وقد شملت الفتوحات الأندلس، التي تُعرف اليوم بإسبانيا، أو بالإسبانيا الإسلامية، أو أيبيريا الإسلامية.
وصلت الأندلس إلى ذروة حضارتها خلال العهد الإسلامي، إذ أصبحت مركزًا علميًا عالميًا، حيث برز فيها علماء متخصصون في مجالات الطب، والهندسة، والفلك. كما تمتع الأدباء والشعراء والفقهاء في تلك الفترة بسمعة عالية، مما جعل الأندلس وجهة مفضلة للراغبين في السعي للعلم والمعرفة.
فتح الأندلس
تقع الأندلس في شبه الجزيرة الإيبيرية، في أوروبا الغربية، وقد أُقيمت فيها الحضارة الإسلامية التي امتدت لتغطي أراضي إسبانيا الحالية، وفي ذروتها شملت أراضي البرتغال وجنوب فرنسا.
شهدت الأندلس فتحها على يد القائد العسكري طارق بن زياد، الذي قاد عمليات الفتح في عام 711 ميلادية (92 هجريًا). بدأ طارق بن زياد من منطقة جبل طارق، حيث شكل المسلمون قاعدة لعملياتهم هناك. أرسل طارق أحد قادته، عبد الرحمن بن أبي عامر المعافري، الذي حقق فتح مدينة قرطاجنة الجزيرة والجزيرة الخضراء.
في معركة وادي لكه الحاسمة، انتصر طارق على جيش الملك لذريق، وبعد انتصاره، توالت الفتوحات لتشمل شذونة والمدور وقارمونة وإشبيلية وإستجة. كما أرسل مغيثًا الرومي الذي حقق فتح قرطبة، وأرسل سرايا لفتح مالقة وإلبيرة وغرناطة وكورة تدمير وأوريولة ومرسية، ثم توجه صوب طليطلة وفتحها.
استمر تقدم الجيش الإسلامي تحت قيادة طارق بن زياد، محققًا انتصارات متتالية على الأراضي الإسبانية، مؤسسًا ما يُعرف بالأندلس. واستمر الفتح حتى عام 262 ميلادية (107 هجريًا)، مما أدى إلى وجود إسلامي استمر لنحو ثماني مئة سنة.
الأندلس في العهد الإسلامي
قبل دخول الإسلام، عاش أهل الأندلس في ظروف قاسية وذل عميق، حيث كانت تُنهب أموالهم وتنتهك أعراضهم في ظل حكام يتنعمون بالثراء. لكن بعد أن تولى المسلمون الحكم، قاموا بتقسيم الأندلس إلى خمس دويلات لتسهيل إدارتها.
وُصفت قرطبة بأنها واحدة من أشهر هذه الدويلات، حيث جمعت الأندلس – بسبب موقعها الجغرافي – مختلف الديانات والثقافات، مما أدى إلى تفاعل مثير بين العرب والبربر والإفرنج والقوط. ومع هذا التنوع الثقافي، ازدهرت الأندلس بحضارة متميزة وفريدة من نوعها.
بفضل تحقيق العدالة وتنمية مظاهر الحضارة، أظهر سكان الأندلس اهتمامًا كبيرًا بتعلم جميع العلوم والفنون، فبرعوا في الهندسة والزخرفة والفلك والطب والعمارة والرياضيات والصيدلة والفقه، وأنتجوا أجمل الموشحات الشعرية، مما جعل الأندلس تنافس مراكز الثقافة العربية الأخرى مثل بغداد والقسطنطينية.
ولا تزال آثار الحضارة الإسلامية باقية في الوقت الحالي، حيث تعكس الثقافة الإسبانية تأثير العرب والمسلمين بشكل واضح.
سقوط الأندلس
كان طليطلة أول مدينة تقع بيد الإسبان من الأندلس، مما دفع ملوك الطوائف لاستدعاء يوسف بن تاشفين، سلطان مراكش، الذي انتصر في معركة الزلاقة. على رغم من ذلك، استمرت الحروب حتى سقوط الأندلس واحدة تلو الأخرى.
أسفر الأمر عن استيلاء الإسبان على غرناطة، والتي أصبحت ولاية إسبانية، وكانت آخر منطقة في الأندلس تسقط تحت الاحتلال. في عام 1492 ميلادية، سقطت الأندلس بالكامل، وأُخرج المسلمون منها. وتعزى أسباب سقوط الأندلس إلى عدة عوامل رئيسية، تشمل:
- تفرق الأمراء وعدم توحدهم.
- جبن بعض القادة، بعد أن كان جيشهم مستعدًا للموت في سبيل الدعوة.
- إغراءات العدو المادية لأهل الأندلس، مما ساعد في احتلالها.
“وهكذا غلبت الذنوب، ورجفت المعاصي القلوب، وصار كل إنسان مثل الثعلب، يهرب إلى مآوى الحذر، حتى وإن أدرك المؤامرات التي تدور حوله. إنا لله وإنا إليه راجعون.”