التحليل الموضوعي للقصيدة
قصيدة “نكبة بيروت” للشاعر أحمد شوقي كتبت إثر الاعتداء الذي تعرض له الساحل اللبناني خلال منتصف القرن التاسع عشر. في ما يلي تحليل لمحتوى القصيدة:
المقطع الأول
يقول أحمد شوقي:
يا رَبِّ أَمرُكَ في المَمالِكِ نافِذٌ
وَالحُكمُ حُكمُكَ في الدَمِ المَسفوكِ
إِن شِئتَ أَهرِقهُ وَإِن شِئتَ اِحمِهِ
هُوَ لَم يَكُن لِسِواكَ بِالمَملوكِ
وَاِحكُم بِعَدلِكَ إِنَّ عَدلَكَ لَم يَكُن
بِالمُمتَرى فيهِ وَلا المَشكوكِ
أَلِأَجلِ آجالٍ دَنَت وَتَهَيَّأَت
قَدَّرتَ ضَربَ الشاطِئِ المَتروكِ
ما كانَ يَحميهِ وَلا يُحمى بِهِ
فُلكانِ أَنعَمُ مِن بَواخِرِ كوكِ
هَذي بِجانِبِها الكَسيرِ غَريقَةٌ
تَهوي وَتِلكَ بِرُكنِها المَدكوكِ
يتناول هذا المقطع دعاء الشاعر وتضرعه إلى الله من أجل حماية الدماء في بيروت، حيث يسيل الدم بلا مبرر. يعبر شوقي عن أمله في أن ينتهي هذا الكابوس، وتعود بيروت إلى سابق عهدها كرمز للجمال والأمان.
المقطع الثاني
يقول أحمد شوقي:
بَيروتُ ماتَ الأُسدُ حَتفَ أُنوفِهِم
لَم يُشهِروا سَيفاً وَلَم يَحموكِ
سَبعونَ لَيثاً أُحرِقوا أَو أُغرِقوا
يا لَيتَهُم قُتِلوا عَلى طَبَروكِ
كُلٌّ يَصيدُ اللَيثَ وَهوَ مُقَيَّدٌ
وَيَعِزُّ صَيدَ الضَيغَمِ المَفكوكِ
يا مَضرِبَ الخِيَمِ المُنيفَةِ لِلقِرى
ما أَنصَفَ العُجمُ الأُلى ضَرَبوكِ
ما كُنتِ يَوماً لِلقَنابِلِ مَوضِعاً
وَلَو أَنَّها مِن عَسجَدٍ مَسبوكِ
بَيروتُ يا راحَ النَزيلِ وَأُنسِهُ
يَمضي الزَمانُ عَلَيَّ لا أَسلوكِ
يمثل هذا المقطع تنديد شوقي بالعرب والمسلمين الذين تفرجوا على الأحداث دون اتخاذ أي خطوة للمساعدة بينما تتعرض السواحل اللبنانية للهجوم. يعبر الشاعر عن حزنه على ما جرى لبيروت بعد أزمنة الخير التي عاشتها.
المقطع الثالث
يقول أحمد شوقي:
الحُسنُ لَفظٌ في المَدائِنِ كُلِّها
وَوَجَدتُهُ لَفظاً وَمَعنىً فيكِ
نادَمتُ يَوماً في ظِلالِكِ فِتيَةً
وَسَموا المَلائِكَ في جَلالِ مُلوكِ
يُنسونَ حَسَّاناً عِصابَةَ جِلَّقٍ
حَتّى يَكادُ بِجِلَّقٍ يَفديكِ
تَاللَهِ ما أَحدَثتِ شَرّاً أَو أَذىً
حَتّى تُراعي أَو يُراعَ بَنوكِ
أَنتِ الَّتي يَحمي وَيَمنَعُ عِرضَها
سَيفُ الشَريفِ وَخِنجَرُ الصُعلوكِ
إِن يَجهَلوكِ فَإِنَّ أُمَّكِ سورِيا
وَالأَبلَقُ الفَردُ الأَشَمُّ أَبوكِ
وَالسابِقينَ إِلى المَفاخِرِ وَالعُلا
بَلهُ المَكارِمَ وَالنَدى أَهلوكِ
سالَت دِماءٌ فيكِ حَولَ مَساجِدٍ
وَكَنائِسٍ وَمَدارِسٍ وَبُنوكِ
كُنّا نُؤَمِّلُ أَن يُمَدَّ بَقاؤُها
حَتّى تَبِلَّ صَدى القَنا المَشبوكِ
لَكِ في رُبى النيلِ المُبارَكِ جيرَةٌ
لَو يَقدِرُونَ بِدَمعِهِم غَسَلوكِي
في هذا المقطع، يستمر شوقي في التعبير عن أسفه لما آلت إليه بيروت، ويشير إلى أصالتها وتراثها كجزء من سوريا الطبيعية، حيث احتضنت الحضارات المتعاقبة وكانت مركزاً للثقافة والعلم. يختتم القصيدة بتذكير لبنان بعلاقته الأخوية مع مصر.
التحليل الفني للقصيدة
تحتوي هذه القصيدة على مجموعة من الصور الفنية، ومن أبرزها:
بَيروتُ ماتَ الأُسدُ حَتفَ أُنوفِهِم
لَم يُشهِروا سَيفاً وَلَم يَحموكِ
- ماتَ الأُسدُ حَتفَ أُنوفِهِم
كناية تعبر عن انعدام المروءة في الناس، حيث يصف الشاعر موت الرجولة فيهم، مما جعلهم يقفون بلا تفاعل إزاء الأحداث في بيروت.
يا مَضرِبَ الخِيَمِ المُنيفَةِ لِلقِرى
ما أَنصَفَ العُجمُ الأُلى ضَرَبوكِ
- يا مَضرِبَ الخِيَمِ المُنيفَةِ لِلقِرى
كناية تجسد كرم اللبنانيين الذين يفتحون قلوبهم وديارهم للضيوف.
أَنتِ الَّتي يَحمي وَيَمنَعُ عِرضَها
سَيفُ الشَريفِ وَخِنجَرُ الصُعلوكِ
- يَحمي وَيَمنَعُ عِرضَها سَيفُ الشَريفِ وَخِنجَرُ الصُعلوكِ
كناية تتحدث عن تلاحم الناس في المحبة والدفاع عن بيروت، سواء كانوا من النخبة أو من عامة الشعب.
التحليل الإيقاعي للقصيدة
قصيدة “نكبة بيروت” تتبع وزن البحر الكامل، وهو بحر يتميز بخفة وسرعة الحركة، ويتكون من ثلاث تفعيلات متكررة. يمنح ذلك القارئ شعوراً بأن الشاعر يسارع في إيصال أفكاره في عدد محدود من الأبيات. كما أن حرف الكاف الذي يتكرر في نهاية الأبيات يعكس أسى الشاعر وحزنه على الأحداث المؤلمة.
التحليل النحوي للقصيدة
تناولت القصيدة مجموعة من الأساليب النحوية، أبرزها تكرار الأفعال لأغراض معينة. جاء فعل الأمر في الأبيات الأولى، حيث يتوجه الشاعر بالدعاء إلى الله تعالى. بينما استخدمت الأفعال الماضية لتعبر عن الحزن والأسى على الماضي الجميل لبيروت، أما الأفعال المضارعة فقد استخدمت لتجسيد العلاقة بين الماضي المشرق والحاضر المليء بالدماء، مما يعكس محاولة لتخفيف وطأة الحرب على النفس.