الوفاء
الوفاء يُعرَّف بأنه الالتزام بالحفاظ على العهود والوعود، والسعي لأداء الأمانات والحقوق لأصحابها، إضافة إلى تقدير الأعمال الجيدة وضرورة رعاية العلاقات الإنسانية. ومع ذلك، فإن قلة قليلة من الناس يتحلون بهذه الفضيلة. قال الله تعالى: (وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ ۖ وَإِن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ). ومن الجدير بالذكر أن الوفاء يُعتبر من صفات الله تعالى، evidenced by قوله في القرآن: (وَعْدَ اللَّهِ ۖ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ). هذه الصفة كذلك تميز الأنبياء والرسل، فقد قال الله تعالى: (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَىٰ * وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّىٰ). ويُعتبر الوفاء من سمات المؤمنين المتقين، كما جاء في كتاب الله: (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ). أعظم أشكال الوفاء هي الوفاء لله تعالى، من خلال طاعته، وعبادته، وتوحيده، والابتعاد عن نواهيه. هو الذي أنعم على عباده وأكرمهم. ومن صور الوفاء نذر الطاعات، والذي يُعبر عن الالتزام بالأعمال التي يوجبها العبد على نفسه بخلاف الفروض. ويجب أيضاً الوفاء للرسول محمد صلى الله عليه وسلم، الذي تعرض لكافة أنواع الأذى والعذاب. ويتمثل ذلك في التزام أوامره والابتعاد عن نواهيه، والتحلي بالقيم التي حث عليها، واتباعه كقدوة في الأقوال والأفعال، والدفاع عن الدين الذي بلغه والعقيدة التي جاء بها. الصحابة رضوان الله عليهم كانوا مثالاً للوفاء بمبادئ الدين، كما أن الوفاء يشمل احترام العلماء وتقديرهم، والسعي للتعلم من علمهم، والدعاء لهم، والاعتراف بمكانتهم.
الوفاء لدين الإسلام
قال الله تعالى: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ). الرسالة في هذه الآية موجهة بشكل خاص إلى بني إسرائيل، ولكن الإمام القرطبي أشار إلى أن هذا الخطاب يوجه أيضاً للأمة الإسلامية. يؤكد الله تعالى أن الوفاء من صفات ذوي العقول، حيث قال: (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنقُضُونَ الْمِيثَاقَ). يُفهم عن الإمام القرطبي أن العهد يشمل جميع أنواع الالتزامات، بما في ذلك اتباع أوامر الله وأداء الفروض والابتعاد عن المنهيات. ويتمثل الوفاء بالدين في الالتزام بالأوامر والتعاليم، والصمود في مواجهتها، والسعي لتحيقها بجهود دؤوبة. يُعتبر الأنبياء والرسل، مثل إبراهيم وموسى، قدوة في هذه المسائل، حيث ثبتوا على مبادئهم، رغم الأذى شديد الذي تعرضوا له. النبي محمد صلى الله عليه وسلم جسد الوفاء في مواقفه، مثال على ذلك قوله لعمه أبي طالب: (يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك دونه ما تركته). وتظهر وفاء الصحابة في مواقفهم الصعبة كحال بلال بن رباح وخباب بن الأرت رضي الله عنهما، حين التعذيب الذي تعرضوا له، ولكنهم استمروا في التمسك بدينهم.
وفاء الرسول
تجلت سمة الوفاء في شخصية الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، فهو كان مثالاً للأخلاق السامية التي حث عليها الدين. قال الله تعالى: (وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ). كان وفياً في علاقته مع الله سبحانه وتعالى ومع زوجاته وأصحابه، وحتى مع أعدائه. امتلك الرسول وفاءً مخلصاً في عبادته وطاعته لله، وأدى الرسالة التي أُسندت إليه بأقصى درجات الأمانة، موضحاً الدين للناس بوضوح وصدق. الأمثلة تشمل وفاءه لزوجته خديجة رضي الله عنها، فقد استذكر فضائلها وتضحياتها حتى بعد وفاتها. كما كان وفياً لعائلته، حيث خاصه وحرص على إسلام عمّه أبو طالب. ولم ينكر معروفه. أكّد كذلك وفاءه لأصحابه عن طريق العفو عن حاطب بن أبي بلتعة رغم خطأه، كأن عفوه كان دليلاً على تقديره لأهل بدر.