المقدمة: غيوم داكنة في الأفق
في لحظة من لحظات الحلم، تخيلت أنه كان لديّ حديقة خضراء واسعة وكنت ألعب مع كلبي. كنت أُلقي له الكرة الحمراء التي اعتدنا كثيراً اللعب بها كلما شعرت بالملل من الدراسة. كان كلبي يجري نحو الكرة ويعود لي بها بفمه الجميل الصغير وأسنانه اللامعة. وعندما سئمنا من اللعب، جلسنا تحت شجرة اللوز التي تواجه منزلنا، وكان الوقت قبيل عودة والدي من العمل. بينما كنا في انتظار عودته، بدأت الغيوم السوداء تتجمع في الأفق، وفجأة اقتحمت المكان زوبعة قوية. انتابني الخوف عندما لاحظت أن كلبي اختفى، فبدأت أصرخ وأنادي عليه دون جدوى.
العرض: مواجهة التحديات
استيقظت على صوت طرقات مكثفة، وقلبي ينبض بالخوف. اندفعت نحو نافذة غرفتي بحثًا عن كلبي الوفّي، ولم أستطع رؤيته ف كدت أفقد صوابي حتى لفت انتباهي شيء ما وهو طرف بنطالي، وعندما التفت، وجدته كلبي “ريكي”. احتضنته بقوة وبدأت أشعر بخفته، حتى سمعت صوت والدي الذي أخبرني بأن اليوم هو عطلة، وسألني إذا كنت أرغب في الذهاب معه إلى السوق لشراء بعض الحاجيات. وافقت على الفور وسألته إذا كان بإمكاني أخذ “ريكي” معنا، لقلقي الانفعالي بشأن ما رأيته في حلمي المروع؛ فلم أكن أرغب في تركه بمفرده في المنزل.
كان ذلك اليوم واحدًا من أيام الشتاء القارص، حيث كان الجو غائمًا يشبه أجواء أفلام الرعب. طلب والدي مني أن أجلس قرب المدفأة في انتظار أن تخف حدة الأمطار. جلست مع العائلة نتحدث عن مستقبلنا ودراستنا، دون أن ندرك أن هذا اليوم سيكون يومًا مآسي لن ننساه. فجأة، قال أخي لأمي: “أرجوكِ، اصنعي لنا فطيرة التفاح.” فأجابت أمي بأنها ستقوم بذلك ثم اكتشفت عدم توفر بعض المكونات. سألت والدي إذا كان بإمكانه إحضارها من السوق، فأجاب “نعم، لكن انتظري حتى تتوقف الأمطار.” وبعد برهة، توقف المطر لكن كانت الغيوم لا تزال ملبدة في السماء.
أعدت سؤال والدي عن إمكانية انطلاقنا، فأجاب بأنه أصبحت حالنا جاهزة للذهاب. اندفعنا أنا وكلبي نحو سيارة والدي، ضاحكين كالأزهار في صباح مشمس. قام والدي بتشغيل الراديو للاستماع إلى الأخبار، لكن فجأة ظهرت أمامنا غيمة سوداء ضخمة وبدأ الرعد يُسمع بصوت عالٍ. اعتقدت لوهلة أنني أعيش كابوسًا آخر، لكن صرخ والدي فجأة وهو يقول: “لا أرى الطريق بسبب حجم هذه الغيامة!” شعرت بالخوف واحتضنت كلبي بقوة، وفي تلك اللحظة فقد والدي السيطرة على المقود، وسُمع صراخه: “يا بني، أستودعك الله!” ولم أعد أرى سوى ظلامٍ حالك.
بعد فترة لا أعلم عنها، فتحت عيني ووجدت ما يراودني من ضوءٍ أبيض. تساءلت إذا كنت قد انتقلت إلى السماء، أو ما الذي يجري حولي؟ كنت أسمع أنفاس أشخاص قريبين، وعندما رفعت رأسي رأيت طبيبة مع فريق من الطاقم الطبي. شعرت بالامتنان لأنني لم أفقد حياتي؛ إذ كانت تلك الغيمة البيضاء عبارة عن ستارة تحيط بسريري في المستشفى. بعد ذلك، استدرت في الفراش وسألت بصوت متقطع: “أين والدي؟ أين كلبي؟ ماذا حدث؟” وكانت الدموع تسقط من عيني كالمطر الغزير.
بينما كنت أبحث عن إجابات، قررت الممرضة منعي من النهوض لإتمام مهامي. رغم ذلك، كان قلبي يدفعني للاطمئنان على والدي فيما أحسست بالتعب يتسلل إلى جسدي كالسارق، فعلقت في السرير وغطيت في نومٍ عميق. وعندما استيقظت في اليوم التالي، كانت والدتي بجانبي تخبرني أن الحادث كان مأساويًا لكنني نجوت بأعجوبة. كنت ممتنة لله، خاصة أنني علمت أن والدي على قيد الحياة رغم أنه كان في غرفة العمليات.
عمت أجواء الصمت المكان، والقلق يسيطر على قلوبنا، لكني أخيرًا تمالكت نفسي وطرحت السؤال الأكثر قلقًا: “أمي، أخبريني أنه لم يمت!” نظرت إليّ أمي مع الدموع في عينيها، وأجابت بشجن: “للأسف، فقدت كلبك.” شعر قلبي بالحزن البرّي على “ريكي” وبدأت الدموع تتساقط، مخلفة عواطف مضطربة وفاطمة.
الخاتمة: لا بدّ أن يزول الألم
طلبت من والدتي أن تمسك بيدي وتدلني إلى غرفة والدي للاطمئنان عليه. بمجرد وصولي إليه، أخبرته بأنني سأكون بجانبه دائماً، وعليه أن يكون أقوى من تلك العاصفة التي غيرت مسار حياتنا. بعد نحو ثلاثة أيام، استقرت حالة والدي وخرجنا من المستشفى بعد ما عانيناه من ألم وفقدان “ريكي”. ومع شفاء جراحي، لا تزال قلبي يتألم لفقدان رفيقي الحميم، فلطالما أحببته، وعندما أحضر لي والدي كلبًا آخر، لم أستطع نسيان “ريكي”.