إن حكم تأخير الغسل من الجنابة في رمضان حتى الظهر يعد من الأمور التي تشغل بال الكثير من المسلمين. فالتطهر يُعتبر جوهر الإيمان السليم.
مع اقتراب شهر رمضان المبارك، يتساءل الرجال والنساء عن أحكام ممارسة العبادات بعد الجماع، حرصًا على أداء فرائضهم بشكل صحيح.
حكم تأخير الغسل من الجنابة في رمضان إلى الظهر
- أكد الشيخ الباز رحمه الله عند استفساره عن حكم تأخير الغسل من الجنابة في رمضان إلى ما بعد الظهر، أن ذلك لا يؤثر على الصيام في هذا الشهر الفضيل.
- وقد أكد أنه يجوز التأخير بدون عذر مستندًا إلى أدلة من القرآن والسنة النبوية.
- إن البطلان الوحيد فيما يتعلق بالأحكام الإسلامية هو عدم الطهارة عندما يُصلي الشخص وهو على جنابة. فالوضوء يُعتبر شرطاً أساسياً، وقد استشهد بحديث صحيح حيث قال:
- “عن أبي هريرة وحذيفة أنهما التقيا النبي ﷺ، فقال النبي ﷺ: ما شأنكم؟
- قالا: كنا على جنابة، فكرهنا الجلوس معك ونحن على غير طهارة. فقال النبي ﷺ: إن المسلم لا ينجس، ولم يُنكر عليهم بقاءهم على غير طهارة.”
- هذا تصريح واضح يُبين أن الجنابة لا تُعيق الصيام الصحيح، والأفضل هو التطهر والتعطر. ومع ذلك، إذا كان الشخص مضطراً أو في عجلة لإنجاز أمر ما، فلا حرج عليه إلا أثناء الصلاة التي تتطلب الوضوء.
هل يبطل الصوم في حالة عدم الغسل من الجنابة؟
- كما جاء في قول الله تعالى:
{فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ۚ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ۖ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ۚ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}.
المعنى هنا أن الجماع مُباحٌ للمسلم في أي وقت بين الليل وصلاة الفجر.
- كما روت أم المؤمنين عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما:
“كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُدركه الفجر وهو جنب من أهله، ثم يغتسل ويصوم.”
وهذا يُشير إلى أن رسول الله كان يُحلل الأمر كما جاء في كتاب الله.
- أيضاً، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
“إذا نودي للصلاة، صلاة الصبح، وأحدكم جنب، فلا صيام له في ذلك اليوم.” وهذا الحديث قد يُفهم بشكل من أنه يدل على بطلان الصيام.
لكن ما يريده أبو هريرة هو علم الشخص بوقت الجماع بعد الفجر، وفي هذه الحالة يكون صيامه باطلاً بموجب علمه. أما إذا كان قد صام ولم يغتسل، فهذا يُعتبر صحيحًا حسب ما أقرته السنة.
تأخير الغسل من الجنابة حتى طلوع الشمس وتأثيره على الصلاة
وضعت الإسلام أحكامه على اليسر، مما يسمح للمسلم بتأخير الغسل لفترات طويلة حتى يأتي وقت الصلاة. وهناك الكثير من الأدلة التي تشير إلى ذلك، كما يلي:
- قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تقبل صلاة بغير طهور).
- الآية الكريمة: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79].
- وفي كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم: (لا يمس القرآن إلا طاهر).
- نهى الله عز وجل عن ترك الصلاة في أوقاتها حيث قال:{ ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾ [البقرة: 45].}
- قال الله تعالى: { ﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ﴾ [البقرة: 238].}
- وأيضًا: { ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ﴾ [البقرة: 43].}
- وهذا تحذير من الله عن ترك الصلاة بقوله:
- ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [المنافقون: 9].
التهاون في الغسل من الجنابة
- قال الإمام القرطبي:
«فِي هذا فائدتان، إحداهما: أنه كان يُجامع في رمضان ويؤخر الغسل إلى ما بعد طلوع الفجر بيانًا للجواز والثانية: أنه كان ذلك من جماع وليس من احتلام؛ لأنه لم يكن يحتلم.»
- في صحيح مسلم: عن عائشة رضي الله عنها:
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستفتيه، وهي تسمع من وراء الباب، فقال: يا رسول الله، تدركني الصلاة وأنا جنب، أفأصوم؟
- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«وأنا تدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم.» فقال: لست مثلنا، يا رسول الله، فقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال: «والله، إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله، وأعلمكم بما أتقي.»
كيفية الغسل من الجنابة
شرح أئمة الأزهر طريقة الغسل من الجنابة بطريقتين يجب اتباع إحداهما من أجل التطهر والاغتسال الصحيح:
- أولاً: يجب سكب الماء على الجسم بالكامل من الشعر إلى أصابع القدم.
- ثانياً: وفقًا للطريقة النبوية التي أكدت عليها أم المؤمنين عائشة:
- حيث يجب غسل الجسم من مواضع محددة، ثم أداء الوضوء.
- وأخيرًا، يتم صب الماء على الجسم كاملاً حتى نهاية القدم.
- ويجب غسل الشعر حتى تصل المياه إلى فروة الرأس.
أضرار تأخير الغسل من الجنابة
تأخير الغسل من الجنابة له أضرار عديدة على صحة الإنسان، كما أشار الله ورسوله إلى ذلك، ومن هذه الأضرار:
- يسبب شعورًا بالكسل والخمول.
- يُمكن أن يؤدي إلى الشعور السلبي وفتح المجال للوساوس الشيطانية.
- لذا فقد أوصانا النبي بالدعاء بهذا الدعاء: (اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَينِ يَدَيَّ، وَمِنْ خَلْفِي، وَعَنْ يَمِينِي، وَعَنْ شِمَالِي، وَمِنْ فَوْقِي، وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أغْتَالَ مِنْ تَحْتِي).
- يؤدي إلى التهابات وأضرار بكتيرية.
- يمكن أن يسبب آلام الظهر.
- ينتج عنه رائحة كريهة وفطريات على سطح الجلد.
- قد يُسبب حرقان في البول وتأثيرات على الجهاز التناسلي.
ومن هنا سنكتشف المزيد عن:
هل يختلف الغسل عن الوضوء؟
- يختل الغسل في السنة النبوية عن الوضوء، فكلاهما من ضروريات الطهارة الصحيحة من الجنابة.
- يسمى الغسل بالطهارة الكبرى بينما يُعتبر الوضوء للطهارة الصغرى؛ لذلك إذا حدث خروج ريح أثناء الوضوء، فلابد من إعادة الوضوء.
حكم التبكير بالاغتسال ورفع الجنابة
- التبكير بالاغتسال ورفع الجنابة يُعطي الإنسان شعورًا بالنظافة الجسدية والروحية، مما يحفزه على أداء العبادات برفقة الملائكة ويبعده عن الشيطان.
- كما يمنعه من الكسل والخمول.
- كلما أسرع الشخص في الاغتسال، زادت بركة صلاته، كما أوصانا النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.