ما هو الحديث الموضوع؟
في اللغة، يشير مصطلح الوضع إلى وضع الشيء في مكانه، وقد أطلق على الحديث الموضوع نظراً لانحطاط مكانته. وفي الاصطلاح، يُعرف الحديث الموضوع بأنه الحديث المُختلق والمُصطنع، الذي يُنسب ظلماً إلى النبي -عليه الصلاةُ والسلام-. بحسب تعريف ابن الصلاح، يمكن القول بأنه ما وُصف بالكذب وينسب للنبي دون أن يكون له أصل في قول أو فعل أو إقرار من الرسول. يُعتبر الحديث الموضوع من مرتبة الأحاديث الضعيفة، ويُعد من أنواع الأحاديث المعروفة للتفريق بين الأحاديث الصحيحة والباطلة، حيث يُشير إليه المحدثون بعبارات مثل: موضوع، باطل، مكذوب، أو يقولون عنه: لا أصل له.
هذا النوع من الحديث يعد مزيفاً ومُفترى على النبي -عليه الصلاةُ والسلام- عمدًا، ويمكن للعلماء التعرف عليه من خلال ما يحتويه متنه بعيدًا عن إسناده، نظرًا لتبحرهم في فهم السنة ومعرفتهم بالسيرة النبوية. ومن العلامات التي ذكرها ابن القيم -رحمه الله- التي تساعد على التعرف عليه ما يلي:
- تضمنه لألفاظ مبالغ فيها أو يعبّر عن تهويلات بلا أصل، مثل الأحاديث التي تتحدث عن الثواب الكبير لصلاة الضحى.
- احتواؤه على أقوال تتعارض مع الواقع، كمثل القول بأن الباذنجان يشفي من كل داء.
- وجود ألفاظ غير منطقية أو غير مقبولة، مثل القول بأن الأرز لو كان إنساناً لكان حليماً.
- احتواؤه على مخالفات صريحة للقرآن الكريم، مثل تحديد فترة الدنيا بأنها سبعة آلاف سنة.
- مخالفته للسنة النبوية، مثل الأحاديث المتعلقة بمدح اسم “محمد” وعده سببًا لعدم دخول النار، في حين أن الدخول مرتبط بالإيمان والعمل.
- مواجهة إنكار الصحابة لعدم نقلهم لهذا الحديث، مثل الادعاء بأن النبي -عليه الصلاةُ والسلام- نص على ولاية علي.
- تضمين حديث لباطل واضح، مثل أن الوحي ينزل بالفارسية عند غضب الله وبالعربية عند رضاه.
- تشابه ألفاظه مع كلام غير الأنبياء، مثل الأحاديث تتحكم في العبادة بناءً على حسن المظاهر.
- تاريخ لمستقبل مفترض، مثل القول بأن حدثًا ما سيقع في سنة معينة.
- الكلام حول قضايا طبية بشكل خاطئ، كزعم أن أكل السمك يضر بالجسد.
- تعارضه مع الأدلة الصحيحة من القرآن والسنة.
- ركاكة أسلوبه ووجود شواهد تُبطل حديثه، مثل القول بوقف الجزية عن أهل خيبر.
- احتواؤه على ألفاظ غائبة عن المؤلفات الحديثية.
حكم رواية الحديث الموضوع والعمل به
توصل علماء الحديث إلى أن رواية الحديث الموضوع ممنوع، خاصة لمن يعرف حاله، إلا في حالات توضيح ضعفه، استنادًا إلى قول النبي -عليه الصلاةُ والسلام-: “من حدّث عني بحديث يُرى أنه كذب، فهو أحد الكاذبين”، إذ يُعتبر الحديث الموضوع من أسوأ أنواع الأحاديث الضعيفة. علاوة على ذلك، أشار بعض العلماء إلى أنه ضمن فصل خاص من الأحاديث المحرمة العمل بها، لما تحتويه من ابتداع في الدين. ويشير الإمام مسلم -رحمه الله- في مقدمة كتابه أن رواية الفاسق غير مقبولة، مستندًا إلى قوله -تعالى-: “يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا”.
كما ذكر النبي -عليه الصلاةُ والسلام- أن الوضع في الحديث من أسباب دخول النار، قائلاً: “ومن كذب علي متعمدًا، فليتبوأ مقعده من النار”. وهذه العقوبة في الدنيا هي التعزير، كما أشار ابن حجر الهيتمي. في حالة توبة من يضع الأحاديث، هناك آراء متباينة بين العلماء: الإمام أحمد وأبو بكر الحُميدي يرون عدم قبول روايته بعد التوبة، بينما الإمام النووي يعتقد بقبولها. بالنسبة لرواة الأحاديث الضعيفة، فإن العلماء قسموهم إلى ثلاث فئات:
- الفئة الأولى: الجاهل بدرجة الحديث، وهذا لا إثيم عليه، لكنه مقصر في بحثه.
- الفئة الثانية: من يعلم بوضع الحديث، ونقله فقط ليظهر ضعفه، وهذا لا شيء عليه.
- الفئة الثالثة: من يعلم بوضع الحديث ولكنه ينقله دون بيان حاله، وهذا يُعَد آثماً.
كيفية التعرف على الحديث الموضوع
يمكن التعرف على الحديث الموضوع من خلال عدد من الأمور، منها:
- العلامات التي ذكرها ابن القيم -رحمه الله- في الفقرة السابقة.
- معرفة أساليب الوضّاعين في صياغة الحديث، حيث يلجأ البعض لنقل الكلام ثم يطعمونه بإسنادات.
- التصريح من الواضع حول وضع الحديث، مثل الاعتراف بنقل الكلام المكذوب.
- التعرف على بعض القرائن في الراوي أو النص، كركاكة الألفاظ والتناقض مع القرآن والسنة.
- التأكيد من قبل المحدثين على وضع الحديث، مثل قولهم: باطل، موضوع، لا أصل له.
- تداول الوهم من الراوي، حيث ينسب قولًا لا يصح إلى النبي -عليه الصلاةُ والسلام- سواء بقصد أم بغير قصد.
- تعارض متن الحديث مع المنطق، مثل الأخبار العظيمة المحصورة في مجموعة دون غيرها.
أسباب وضع الحديث
تتعدد الأسباب التي تؤدي إلى وضع الحديث، ومنها:
- التقرّب إلى الله -تعالى-، مثل الأحاديث التي تهدف إلى تحفيز الناس على الطاعة.
- الانتصار لتيار معين، خاصة السياسي، بعد ظهور الفتنة، من قبل أصحاب البدع.
- الطعن في الإسلام، وغالبًا ما ينجم عن أعداء الدين الذين يختلقون الأحاديث لتشويه الصورة الإسلامية.
- الاقتراب من الولايات والرغبة في الكسب المالي، كما يحدث مع القصاصين.
أماكن وجود الأحاديث الموضوعة
توجد عدة مؤلفات خصصت للحديث عن الأحاديث الموضوعة، ومنها:
- أولاً: مؤلفات خاصة بالأحاديث الموضوعة، مثل “الضعفاء” لابن الجوزي و”اللآلئ المصنوعة” للإمام السيوطي.
- ثانيًا: بعض المفسرين الذين وقعوا في نقل الأحاديث الموضوعة دون بيان حالها، مثل الثعلبي والزمخشري.
الآثار السلبية لوضع الحديث على الأمة الإسلامية
تترتب آثار سلبية عديدة على الوضع في الحديث، منها:
- محاولة الطعن في الدين وإدخال أفكار غريبة عنه، والابتعاد عن التوحيد.
- هدم العقائد والعبادات بزيادة بدع غير مقبولة، مثل دعوة إلى تطوير العبادات.
- تسبب الخلاف بين المسلمين عبر وضع أحاديث تصب في مصلحة فئة معينة.
- تدمير الاقتصاد الإسلامي من خلال أحاديث تمنع الإنتاج وتشجع الفقر.
- تشويه صورة النبي -عليه الصلاةُ والسلام- والمساس بهيبته.
- التقاعس عن العبادة والاعتداء على المعاصي، حيث يُروّج لبعض الأقوال بشأن التساهل.