تصنيف الأفراد بين الشك والقطع

الظن واليقين

يتجلى التقرب إلى الله -سبحانه وتعالى- ليس فقط من خلال الأعمال الخارجية، بل يمتد ليشمل أيضاً جوانب قلبية وفكرية. من أبرز تلك الجوانب هو إحسان الظن بالله، والاعتقاد الراسخ بأن الله -عز وجل- قد أعدّ لعباده من الخيرات ما لا يمكنهم تخيله إذا ما التزموا بأوامره وتجنبوا نواهيه. بناءً على هذا الاعتقاد، يختلف الناس في قربهم من الله أو بعدهم، حيث يعتمد ذلك على مدى إحسانهم أو إساءتهم الظن بالله.

وقد جاء في الأحاديث الصحيحة، أن حسن الظن بالله يُقرب العبد منه، كما ورد في حديث نبوي حيث قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (خرَجْتُ عائدًا لِيزيدَ بنِ الأسودِ، فلقِيتُ واثِلةَ بنَ الأسقعِ وهو يُريدُ عيادَتَه، فدخَلْنا عليه، فلمَّا رأى واثِلةَ بسَط يدَه وجعَل يُشيرُ إليه، فأقبَل واثِلةُ حتَّى جلَس، فأخَذ يزيدُ بكفَّيْ واثِلةَ فجعَلهما على وجهِه، فقال له واثِلةُ: كيف ظنُّك باللهِ؟ قال: ظنِّي باللهِ -واللهِ- حسَنٌ، قال: فأبشِرْ، فإنِّي سمِعْتُ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يقولُ: قال اللهُ جلَّ وعلا: أنا عندَ ظنِّ عبدي بي إنْ ظنَّ خيرًا، وإنْ ظنَّ شرّاً).

معنى الظن واليقين

معنى الظن

الظن -في اللغة- يعني الاعتقاد المؤكد مع وجود احتمال للنقيض. تستخدم كلمة الظن للإشارة إلى اليقين والشك. وفي اصطلاح حسن الظن بالله، يعني أن يعلم العبد أن الذي يبتليه الله بالأمراض والآلام ليس ليهلكه أو يؤذيه، بل ليختبره، وينظر فيه من يكون صابرًا ومن يجزع، مقرراً بذلك إيمانه بالله وإحسان توجهه إليه في الشدائد كما في الرخاء. فالعبد يُظهر انكساره لله وحده ليعينه على ما أصابه، حتى يُفرج عنه ما به من أذى، وقد أوضح الله -سبحانه وتعالى- أنه لا ينجو من هذا الاختبار إلا من حسنت أعماله وصحّت إيماناته.

معنى اليقين

اليقين هو المعرفة بأن حكم الله هو أفضل الأحكام وأعدلها، والواجب على كل مكلف هو الانقياد له، مع الرضا التام بكل ما يحدث له. ويعتمد ذلك على تأكيد قوله سبحانه وتعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ). كما يُشير اليقين أيضاً إلى التصديق الجازم الذي تمنح النفس الاطمئنان.

تصنيف الناس بين الظن واليقين

يمكن التمييز بين الظن واليقين في صفات عديدة؛ فالمؤمن يبلغ انتظار الآخرة بالعمل الصالح على علم يقيني بأن الله سيجزيه، بينما الذي يظن بالله ظن السوء يسعى للحصول على متعة الدنيا، معتقداً أنه لن يُحاسب على ما قدمه في حياته، مما يولد لديه فتوراً تجاه الآخرة. وفيما يلي بيان الفرق بين الناس من حيث الظن واليقين:

  • يجتهد العبد الموقن بالله لفهم معاني أسماء الله الحسنى، محيطاً بكل ما يتصل بها من معانٍ سامية تعزز يقينه، في حين يهمل الذي يظن بالله ظن السوء تلك الأسماء، مما يبقيه بعيداً عن الله ومنصرفاً عن الآخرة.
  • يتجنب العبد الموقن بالله المعاصي والآثام، وإذا ارتكب ذنبًا أو قصر في حق الله، يسارع إلى التوبة. بينما يواصل العبد الذي يظن بالله سوءاً في المعاصي، غير مدرك للمغفرة، مما يدفعه لارتكاب الذنوب بدون خوف.
  • يسعى العبد الموقن إلى عمل الخير، خاصة عندما يبتعد عن الله، بينما ينأى الذي يظن بالله السوء عن العمل الصالح لاعتقاده أن الله لن يقبل عبادته.
  • يدرك العبد الموقن أن خزائن السماوات والأرض بيد الله وحده.
  • يحتسب العبد الموقن الأجر عند الله في المصائب، بينما يجزع من يصيبه سوء بسبب ظنه أنها عقوبة له.

الظن واليقين في القرآن الكريم

أوضحت الآيات القرآنية مكانة الظن واليقين بالله في عدة مواضع، مما يظهر أهمية إحسان الظن بالله وفضل اليقين. كما أكدت تلك النصوص على ضرورة توجه العباد إلى الله وأنهم يتفاوتون في درجات ظنهم ويقينهم، مما يعزز قربهم منه. وفيما يلي بعض تلك النصوص:

الظن في القرآن الكريم

جاء ذكر تصنيف الناس بين الظن واليقين في عدة آيات، حيث ورد مثلاً:

  • قول الله عز وجل: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ*إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ) حيث يشير الظن هنا إلى الاعتقاد الراسخ وليس الشك.
  • كما جاء قوله تعالى: (الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ) مما يدل على أن ظن السوء ينجم عن ضعف الإيمان ويؤدي إلى العقاب.
  • وقوله: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ)، حيث تُشير الآية إلى الاتجاه القائم على حسن الظن بالله.
  • وكذلك قوله تعالى: (يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ) حيث تم التحذير من ظن غير الحق بالله وقد تم ربطه بأهل الجاهلية.

اليقين في القرآن الكريم

ذُكِر اليقين بالقرآن في عدة مواضع تبرز مكانته وأفضليته، ومنها:

  • قوله تعالى: (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ) حيث تميز أهل اليقين بالعديد من الصفات الحميدة.
  • كما قال تعالى: (وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ) مما يدل على تفكرهم في آيات الله.

الظن واليقين في السنة النبوية

كما ذُكِر مفهوم حسن الظن بالله واليقين في القرآن، فقد ورد أيضاً في بأحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- في عدة مواضع، ومنها:

  • قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (قال اللهُ جلَّ وعلا: أنا عندَ ظنِّ عبدي بي إنْ ظنَّ خيراً، وإنْ ظنَّ شرّاً).
  • كذلك قول رسول الله: (حُسنُ الظنِّ مِن حُسنِ العِبادةِ).
  • قال النبي: (إنَّ اللهَ يقولُ: أنا عِند ظنِّ عَبدي بي، وأنا مَعَهُ إذا دَعاني).
  • وعن جابر بن عبد الله قال: (سمعتُ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- قبل موتِه بثلاثةِ أيامٍ يقول: (لا يموتنَّ أحدكم إلّا وهو يُحسنُ الظنَّ باللهِ عزَّ وجلَّ)).
Scroll to Top