تعريف مفهوم الإجماع

الإجماع: تعريفه وأهميته

تُعرّف كلمة “الإجماع” من الناحيتين اللغوية والاصطلاحية على النحو التالي:

  • الإجماع في اللغة: يُستمد لفظ الإجماع من الفعل “أجمع”، والذي يتعلق بمعنيين أساسيين في اللغة العربية. الأول يعني العزم على أمر ما، فعندما يُقال “أجمع أمره” فإن المعنى هنا هو أنه قرر وعزم على الفعل. ورد هذا المعنى في القرآن الكريم كما في قوله تعالى: (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ). أما المعنى الثاني، فهو يتعلّق بالاتفاق، حيث يعني أن يجتمع الناس على أمر معين. إذًا، فالإجماع يتضمن كليهما: العزم والاتفاق، إذ أن من يتفق على شيء قد عزَمَ عليه أيضًا.
  • الإجماع في الاصطلاح: يُعرَّف بأنه توافق العلماء والمجتهدين من أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- حول أمر معين بعد وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومما يجدر ذكره أن الإجماع لا يُعقَد إلا من قِبل أهل الحل والعقد الذين يتعاطون الاجتهاد في أحكام الشريعة، ولا يُقبل إجماع من غير المسلمين في مسائل التشريع. كما أنه أيضًا لا يُعقد الإجماع في حياة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، نظرًا لعدم الحاجة لذلك في تلك الفترة.

بذلك، يُعتبر الإجماع سليمًا وصحيحًا بعد وفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولكن لا يتطرق إلى الأمور المنصوص عليها في القرآن والسنة. بينما عبارة “على أمرٍ من الأمور” تشير إلى أنه يمكن أن يقع الإجماع في مختلف المسائل العقلية، والشريعة، والعرفية، واللغوية. كما يمكن أن يُعقد الإجماع في جميع العصور بعد زمن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما دام هناك مجتهدون.

أدلة حجيّة الإجماع

يُعتبر الإجماع المصدر الثالث من مصادر التشريع الإسلامي بعد القرآن الكريم والسنة النبوية، ويُعتبر حُجة قاطعة على المسلمين، ويتوجب العمل به. ومن الأدلة على حجيّته:

  • قال الله -تعالى-: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً). حيث يحدثنا الله -سبحانه وتعالى- عن الوجوب في اتباع المؤمنين وحرمة مخالفتهم، ما يدل على أهمية ما اجتمع عليه المؤمنون.
  • وردت أحاديث عديدة تؤكد أن أمة الإسلام معصومة من الخطأ، وأنها لا تجتمع على ضلالة، كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا تجتمع أمتي على ضلالة)، مما يظهر ضرورة العمل بالإجماع.
  • روى الصحابي عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: (إذا سُئل أحدُكم عن شيءٍ فلينظرْ في كتاب الله، فإن لم يجدْه فلينظر في سنّة النبي، فإن لم يجدْه فيما سبق فلينظر فيما اجتمع عليه المسلمون)، وهذا يدل على حجية الإجماع.
  • تعاون الآراء الكثيرة وتوافقها من ذوي الدراية، يؤكد عدم اجتماعهم على خطأ، ما يجعل أراهم مُعتبرة.

شروط صحة الإجماع

لكي ينعقد الإجماع، هناك جملة من الشروط، وتتمثل فيما يلي:

  • يشترط أن يكون الإجماع من المجتهدين، ولا يُقبل إجماع من عامة الناس على حكم شرعي.
  • يجب أن يكون الإجماع من أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، فلا يُعتبر إجماع غير المسلمين في مسائل تخص المسلمين. كما يُفضل أن يتمتع المجتهد بالعدالة والإسلام.
  • يجب أن يكون الإجماع بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-، حيث كان في عهده المصدر الأساسي للتشريع.
  • يتوجب أن يتفق جميع المجتهدين على رأي واحد، فحتى لو خالف واحد منهم، يعتبر الإجماع غير صحيح.
  • يجب أن يكون جميع المجتهدين من أهل الاختصاص، فمسائل اللغة يجب أن تصدر عن اللغويين، والفقه عن الفقهاء.
  • يجب أن يكون الإجماع مستندًا إلى دليل شرعي، سواء من نصوص الكتاب أو السنة أو إجماع سابق، لضمان عدم صدوره عن هوى.

أنواع الإجماع

ينقسم الإجماع إلى نوعين:

  • الإجماع الصريح: حيث يتفق جميع المجتهدين على حكم مسألة محددة ويبدي كل منهم رأيه بوضوح. وهذا النوع يُعتبر حجة تُطبق، كما في إجماع الصحابة في زمن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- حول الحكم على الزاني الجاهل.
  • الإجماع السكوتي: حيث يعبر بعض المجتهدين عن رأيهم وتبقى آراء الآخرين صامتة بعد علمهم بالحكم، دون أن يظهر منهم إنكار أو موافقة. ويختلف الفقهاء في حجية هذا النوع، حيث يرى بعضهم أنه حجة بينما ينفي آخرون ذلك.

مسائل مُجمع عليها

توافق علماء الأمة الإسلامية على العديد من المسائل في مختلف المجالات، ومنها:

  • في المسائل العقدية: مثل وحدانية الله وخلق الكون، وأهمية النبوة، وتصديق كل الأنبياء، حيث يُعتبر أي مُخالف لهذا الإجماع خارجًا عن الدين.

كذلك، اجتمعوا على أن الجنّة والنار حقيقة، وأن القرآن الكريم هو كلام الله، وأن الملائكة موجودون. كما عُقد إجماع في علم أصول الفقه حول حجية القياس، وفي المسائل الفقهية مثل وجوب الصلاة والزكاة.

Scroll to Top