التغذية الصحية كحماية وقائية
خلق الله الإنسان مع مجموعة من الغرائز التي تعمل بمثابة منبهات طبيعية في الجسم، إذ تسجل تلك الغرائز ملاحظاتها داخلنا، فتدفعنا لتنفيذ أوامرها والاستجابة لها. ومن أبرز تلك الغرائز هي غريزة الجوع، التي تطلق إنذارها عدة مرات يومياً، ومع تجاهل تلك الإنذارات بصورة مستمرة، يمكن أن يؤدي ذلك إلى الإصابة بالأمراض.
يشمل الغذاء العناصر الأساسية التي تضمن استمرار وجودنا، خاصةً إذا كان يتميز بالتنوع والشمول، مما يمنحه مكانة صحية أعلى ويوفر لنا حماية من الأمراض. لذا، تعتبر التغذية الصحية درعاً وقائياً.
التغذية الصحية كواجب اجتماعي
يعرف الغذاء بصفته ضرورة أساسية لجميع الكائنات الحية، خصوصاً البشر؛ حيث تعمل أجسامنا كمختبرات أو مصانع علمية، تختلف آلاتها ومتطلباتها. ولكل آلة منها شروط خاصة تتطلب وقوداً ضرورياً، مما يجعل الغذاء بمثابة الوقود الحيوي؛ إذ أن تجاهله قد يؤدي إلى توقف الآلات وفقدان وجودها.
أدرك الإنسان حاجته الطبيعية للغذاء منذ العصور السحيقة، فقد اعتمد في بداياته على الجمع والالتقاط والصيد، مما دفعه لتطوير مجموعة من الأدوات الحادة لتلبية تلك الحاجة. ومع مرور الوقت، اكتشف الإنسان فنون الطهي، مما أدى إلى أن يصبح الغذاء وطرق إعداده من السمات المجتمعية المميزة.
لكل مجتمع أطباقه وعاداته الغذائية، ويعتبر الطهي عالماً واسعاً مليئاً بالأسرار. ومن العوامل التي أكسبت الغذاء أهميته عبر الزمن هي ثلاثة أمور؛ الأول يتعلق بالغريزة، والثاني بالإدراك، حيث أدرك الإنسان نتائج الامتناع عن الطعام والتعب والإرهاق الذي يتبعه، إضافةً إلى أهمية الغذاء في تحسين صحة الجسم.
أما الأمر الثالث فهو مرتبط بالجانب النفسي، حيث يلجأ الكثيرون إلى الطعام كوسيلة للتعامل مع مشاعر الحزن أو السعادة. يُعزى ذلك إلى احتواء الطعام على عناصر تعزز الهرمونات المسؤولة عن التوازن النفسي. وقد قسم العلماء الغذاء إلى سبع فئات مختلفة، تُعرف أربع منها باسم “المغذيات الكبرى”.
تشمل هذه الفئات الكربوهيدرات، الماء، البروتينات، والدهون، حيث تُعتبر الكربوهيدرات (بسيطة ومركبة) والماء (الذي يشكل 50-75% من وزن الجسم) وبروتينات العضلات والدهون مكونات أساسية. بينما تنقسم الفئات الثلاثة الأخيرة إلى “المغذيات الصغرى” التي تساهم في تلبية احتياجات الجسم كالأملاح المعدنية والفيتامينات ومضادات الأكسدة.
تتميز مصادر المغذيات بتنوعها، مما يمنحنا حرية الاختيار في نوع الأغذية، ويؤدي إلى تباين الأذواق. تشمل هذه الخيارات اللحوم (الحمراء والبيضاء)، الفواكه، الخضروات، والبقوليات، ولكن ينبغي الموازنة بينها وفقاً لاحتياجات الجسم المختلفة.
تعني التغذية الصحية ضرورة أن يحصل الإنسان على احتياجاته الغذائية من مجموعة متنوعة من المصادر التي تضمن إشباع احتياجات الجسم، كتناول اللحوم، السلطات، والعصائر بدلاً من الاعتماد على صنف واحد فقط. يُعتبر الاعتماد على نمط غذائي واحد ضاراً، ويمكن أن يسفر عن أمراض نقص التغذية.
كما أن تناول كميات قليلة أو رديئة من الغذاء يعرضنا لداء سوء التغذية؛ لذلك تعتبر التغذية الصحية أمراً ذا قيمة عالية. وللأسف، فإن العلاقة بين السياسة والمناخ والغذاء تؤدي إلى مشاكل إنسانية عميقة، تعاني منها بعض الدول من أمراض فتاكة ومجاعات تؤثر على الأطفال والنساء وكبار السن.
لقد لفتت هذه المعاناة انتباه المجتمع الدولي، مما أدى إلى إنشاء منظمة الأمم المتحدة لشؤون التغذية والزراعة، المعروفة باسم “الفاو”، بهدف العمل على توفير الغذاء ومياه الشرب.
يجب على المجتمع الدولي والمحلي والأسر تقديم الدعم لتحقيق الحق في الغذاء وتوفير التغذية الصحية. كما يتوجب مراعاة التوزيعات البشرية التي وضعها العلماء، لترتيب احتياجات كل فئة من الفئات السكانية مثل الأطفال، المراهقين، الشباب، المسنين، والحوامل.
التغذية الصحية: من النظرية إلى التطبيق العملي
ختاماً، يجب التأكيد على ضرورة تحويل مفهوم الغذاء الصحي إلى نمط حياة يومي، بدءًا من الفرد الذي ينبغي عليه مراقبة وتنظيم غذائه، وتشجيع الحكومات على توفير المواد الغذائية بأسعار مناسبة.
إضافة إلى وضع أنظمة وقوانين خاصة بالمنشآت الغذائية تركز على أهمية توفر العناصر الأساسية في الأغذية المصنعة، حيث تلعب حملات التوعية والدعاية دوراً مهماً في نشر الثقافة الصحية وتعزيز الاهتمام بالتغذية الصحيحة.