تطور وتاريخ المدرسة الواقعية في الأدب العربي

تاريخ الحركة الواقعية

تُعتبر المدرسة الواقعية أسلوبًا فنيًا يُبرز الطبيعة والحياة بدقة وبتفصيلٍ عالٍ، دون أي تحسين أو تجميل، حيث ترفض المفاهيم المثالية والخيالية، وتركز على المشهد كما هو. وقد تجلت مفاهيم الواقعية في مختلف الحضارات، مثل المنحوتات اليونانية الهلنستية، لكن ظهرت كمدرسة مستقلة فقط في منتصف القرن التاسع عشر في فرنسا.

استندت الواقعية في تطورها إلى محاكاة الإنجازات الفنية القديمة، مع الحرص على تصوير الحياة اليومية ومشاكل وعادات الطبقتين الوسطى والدنيا. فقد وضع الفنانون أنفسهم أمام ضميرهم الحي لمحاولة تجسيد جميع الجوانب التي تم تجاهلها من قِبل غيرهم في المجتمع المعاصر، بما في ذلك المواقف النفسية والظروف المادية، وقد حُفزت هذه الحركة بالتطورات الفكرية التي كانت تعارض الرومانسية في ألمانيا.

مرحلة غوستاف كوربيه

ظهرت الحركة الواقعية للمرة الأولى كنتيجة للاعتراض على الرومانسية التي هيمنت على الأدب والفن الفرنسيين منذ أواخر القرن الثامن عشر. ثارت الواقعية ضد الموضوعات الغريبة والعاطفية والمثالية المبالغ فيها لدى الرومانسيين، وسعت جاهدة لتصوير الحياة كما هي، مع التركيز على حياة الأفراد والعمال العاديين. كان غوستاف كوربيه، جان فرانسوا ميليت، أونوريه دومير، وجان بابتيست كميل كورو من أبرز الداعين إلى هذه الحركة.

رفض جان كوربيه الالتزام بالأساليب الأكاديمية السائدة والرومانسية السائدة في عصره، مما جعل استقلاله نموذجًا مهمًا للفنانين اللاحقين مثل الانطباعيين والتكعيبيين. كانت لوحاته غالبًا ما تتناول مواضيع دينية أو تاريخية، وساهمت بأعماله الجريئة حول القضايا الاجتماعية من خلال تناول الموضوعات التي كانت تُعتبر مبتذلة، مثل حياة البرجوازية الريفية وظروف عمل الفقراء.

مرحلة جان فرانسوا ميليت

يُعتبر جان فرانسوا ميليت رسامًا فرنسيًا وأحد مؤسسي مدرسة باربيزون، حيث كانت معظم أعماله تتعلق بتصوير الفلاحين، مما يجعل مرحلته تمثل فرعًا مهمًا من حركة الفن الواقعي. من بين أشهر لوحاته لوحة “غليرنيس” لعام 1857، التي تُظهر الفقراء من النساء والأطفال وهم يعملون على إزالة بقايا الحبوب بعد عمليات الحصاد، وقد وجد النقاد أن هذا الموضوع يثير ذكريات من العهد القديم.

مرحلة ما قبل الرفائيلية

حركة “ما قبل الرفائيلية” كانت تهدف إلى إصلاح الفن من خلال رفض النهج الميكانيكي في الرسم. وكان فنانو حركة مانييريزمو هم أول من اعتنق هذا الاتجاه، حيث اعتقدوا أن الأناقة المبالغ فيها في رسم الوجوه قد أفسدت التعليم الأكاديمي للفن. من هنا جاء اسمها “ما قبل الرفائيلية”، حيث كانوا يسعون للعودة إلى الفترات المبكرة التي تميزت بالتفاصيل الغنية والألوان الزاهية والتراكيب المعقدة.

الواقعية وما قبل الرفائيلية

التقت الحركتان خلال الثقافة الوسطى مع مبادئ الواقعية، التي شددت على أهمية المراقبة المستقلة للطبيعة. وفي مراحلها الأولى، اعتقدت جماعة ما قبل الرفائيلية أن أهدافهما كانت متوافقة، لكن سرعان ما انقسمت في السنوات القادمة، حيث قاد الواقعيون وليام هانت وجان ميليه، بينما ترأس استيفان روستي وإدوارد بورن جونز وويليام موريس اتجاه القرون الوسطى.

لكن لم يكن هناك انقسام مطلق بين الفريقين، حيث اعتقد كلاهما أن الفن يُعتبر جوهريًا روحيًا، وعبرا عن معارضتهما للتصوير الواقعي المادي المرتبط بكوربيه والانطباعية. كما تأثرت جماعة ما قبل الرفائيلية بالطبيعة، واستخدم أعضاؤها تفاصيل رائعة لإبراز جمال العالم الطبيعي، مستخدمين تقنيات لرسم بزجاج رقيق على قماش أبيض مبلل، بهدف إبراز الشفافية والتألق في الألوان.

أثر المدرسة الواقعية

مع تطور المدرسة الواقعية، ألهمت العديد من الحركات الفنية الأخرى، بما في ذلك الأدب والمسرح والسينما. عند دراسة الواقعية الأدبية، يتبين أن العديد من المؤلفات تستند إلى وقائع موضوعية، حيث أولى الكتاب اهتمامًا خاصًا لتصوير الأنشطة اليومية للطبقة الوسطى بدقة.

ظهرت الواقعية في المسرح لأول مرة خلال القرن التاسع عشر في الدراما الأوروبية، كاستجابة لتأثير الثورة الصناعية والتقدم العلمي. كان الهدف من الواقعية المسرحية هو التركيز على القضايا النفسية والاجتماعية المرتبطة بالحياة اليومية، مما جعل النصوص المسرحية الواقعية أكثر أصالة في تصوير الواقع.

تطورت السينما الواقعية أيضًا على غرار الأدب والمسرح، إلا أن الأفلام لم تكن تمامًا في طابعها واقعية بطبيعتها مثل الفنون السابقة. بل تم استخدام بعض عناصر الخيال خلال تصوير الحياة اليومية، وقد ألهمت السينما الإيطالية الواقعية السينما في المملكة المتحدة خلال فترة التجديد في القرن الماضي.

Scroll to Top