ما هو علم تخريج الفروع على الأصول؟
يعتبر علم تخريج الفروع على الأصول من العلوم الواسعة التي تمارس عبر التاريخ الإسلامي، إذ بدأ ممارسته منذ زمن الصحابة -رضوان الله عليهم- ومن ثم تبعه العلماء الذين كتبوا في هذا العلم، مستندين إلى أصول مذاهبهم الأربعة. يُعتبر هذا العلم منهجاً تطبيقياً كما يشير إلى ذلك قوله تعالى: (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ).
توضح هذه الآية الكريمة وجود أصل يمكن من خلاله استنباط الأحكام، كما أنها تشير إلى أن بعض أفراد الأمة أقدر على الفهم والدين والاستنباط من آخرين. ويُعد هذا العلم من العلوم الرفيعة التي تؤكد على شمولية وكمالية الدين الإسلامي. ومن المهم التعرف على هذا العلم القيم.
لذا، من المهم فهم معنى هذا المصطلح من خلال معرفة مكوناته بشكلٍ لغوي واصطلاحي، وتفصيل ذلك كالتالي:
- خرج في اللغة: (خَرَجَ) يشتمل على أصلين، الأول يدل على النفاذ، والثاني يُشير إلى اختلاف لونين، والأول هو المعني هنا.
- في اصطلاح الأصوليين والفقهاء، يُستخدم التخريج لوصف: رد الخلافات الفقهية إلى القواعد الأصولية.
- الفروع لغة تعتبر جمع فرع: تشير إلى عدة معاني منها التفريق والعلو والكثرة.
- أما الفرع اصطلاحاً: فتُعرف بأنها الأحكام الشرعية المبنية في كتب الفقه والتي لا تتعلق بالعقائد.
- الأصل لغة: يعني جوهر الشيء.
- بينما الأصل اصطلاحاً: يُشير إلى الدليل أو القاعدة أو ما يُعتبر راجحاً.
- تخريج الأصول على الفروع اصطلاحاً: هو العلم الذي يوضح القواعد الأصولية التي ارتكز عليها الأئمة أو أحدهم في إصدار الأحكام الشرعية المتعلقة بالفروع، مع ربط هذه الفروع بقواعدها أو استدلال غيرها التي لم تصدر فيها فتاوى من الأئمة.
آلية تخريج الفروع على الأصول
تتبع آلية التخريج عادةً أسلوب مؤلف الكتاب ومدرسته الفقهية، حيث يقوم المؤلف بذكر القاعدة الأصولية ومن ثم تقديم تطبيقات فقهية لم تكن موجودة في زمن إمامه، أو يقوم بتخريج بعض آراء إمامه على قواعد المذهب، وقد يتطرق إلى آراء المذاهب الأخرى.
أمثلة توضيحية لتخريج الفروع على الأصول
ومن الأمثلة التي يمكن تقديمها:
- استخدام الواو الناسقة
يرى أصحاب الشافعي -رضي الله عنه- أن حرف الواو في السياق يُستخدم للتسلسل وليس للجمع، وبذلك تكون من فروعها: إذا قال شخص “سالمٌ جاءَ وغانم” فإن هذا يدل على أن سالمًا قد جاء بدون غانم، لأن الواو هنا توضح الترتيب وليس الجمع، فلو كانت للجمع لكان المعنى أن كليهما جاء.
- استخدام كلمة “من” للتبعيض
وفقاً للشافعي -رضي الله عنه- فإن قول القائل “أكلت من الطعام وأخذت من المال”يعبر عن التبعيض، وهذا يُشكل أصلاً يمكن أن يتفرع عنه: أن المتيمم يجب عليه نقل بعض أجزاء الصعيد -أي التراب- الذي سيستخدمه للتيمم.
- مطلق الأمر للإشارة إلى التكرار
يفيد الشافعي -رضي الله عنه- أن مطلق الأمر يتطلب التكرار، وهذا يمكن أن يتفرع عنه: أن الشخص الذي لا يجد الماء يجب عليه أن يتيمم لصلاة الظهر، وإذا دخل وقت العصر عليه أن يتيمم مرة أخرى، لأن الأمر الوارد في الآية يفيد بالتكرار.
- النسا والمغفل لا يدخلان تحت التكليف
يعتبر فعل النسيان والغفلة غير ملزم بالتكليف بحسب رأي الشافعي والذي يتفرع عنه أن كلام النسيان لا يبطل الصلاة؛ لأن الكلام يُعتبر مفسدًا للصلاة لأنه ممنوع، بينما النسيان لا يُعتبر ممنوعًا نظرًا لعدم إمكانية التكليف، لذلك لا تُفسد الصلاة.
- الكفار مخاطبون بفروع الشرائع
يعتقد الشافعي -رضي الله عنه- أن الكفار مسؤولون عن الفروع الإسلامية، وهذا يُعد أصلًا، ويتفرع عنه أن المرتد إذا أسلم يجب عليه قضاء الصلوات التي أضاعها خلال فترة رده، وكذلك الصيام الفائت في أيام ردته.
كتب متخصصة في تخريج الفروع على الأصول
ذكر الدكتور يعقوب الباحسين بعض كتب التخريج من كل مذهب، ومن أبرزها:
- تأسيس النظر
لأبي زيد الدبوسي الحنفي المتوفى 430هـ، حيث يحتوي كتابه على قواعد وضوابط تُسهّل حفظ الفروع، بالإضافة إلى تميزه بكثرة الفروع الفقهية المبنية على القواعد.
- مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول
لأبي عبد الله محمد بن أحمد المالكي التلمساني، الذي انتهج منهجًا فريدًا في تفصيل الأصول وترتيبها، حيث كان يربط بين المسائل الأصولية والفروع الفقهية المُختلَف فيها بناءً على اختلاف القواعد الأصولية.
- التمهيد في تخريج الفروع على الأصول
لأبي محمد عبد الرحيم بن الحسين الأسنوي الشافعي المتوفى سنة 772هـ، حيث قام بترتيبه مرتباً على مصادر التشريع وركز على الأمثلة الموجودة في القرآن الكريم، لكنه لم يرتبه حسب أبواب الفقه مما أدى إلى تفويت عدد من القواعد والتفريعات.
- القواعد والفوائد الأصولية
لأبي الحسن علاء الدين بن محمد البعلي الحنبلي المعروف بـ”ابن اللحام”، المتوفى 803هـ، حيث أدخل المؤلف بين القواعد والفروع وركز على الجانب التطبيقي بشكلٍ كبير، على الرغم من أنه لم يغطي كل القضايا الأصولية، لكنه تناول عددًا كبيرًا منها ورتبها وفق طريقة الأصوليين نظرًا لشمولية القواعد.