القصص القرآني
يمتاز أسلوب القرآن الكريم بملاءمته لكل زمان ومكان، حيث يأخذ في اعتباره كافة الشرائح البشرية. كل فرد يستطيع استقاء الفهم والمعارف من خزان القرآن على قدر استيعابه وإدراكه لتلك المعاني. بالإضافة إلى ذلك، يحتوي القرآن على الكثير من قصص الأمم السابقة، مسلطاً الضوء على الدروس والعبر المستفادة، والتي تتماشى مع الغرض الأسمى من نزوله. يقول الله تعالى: (لَقَد كانَ في قَصَصِهِم عِبرَةٌ لِأُولِي الأَلبابِ).
تسرد القصص القرآنية ما جرى بين الأقوام وأنبيائهم، مُظهرةً استجابتهم للنور الرباني العظيم. ومن أبرز القصص المذكورة في القرآن هي قصة نبي الله صالح مع قومه ثمود، الذين عاشوا في شمال جزيرة العرب. عُصوا أوامر ربهم وعصوا رسولهم، مما أدى إلى استحقاقهم العقاب، حيث أذانهم الله بعذاب مهلك.
تفسير الآية (فاستحبوا العمى على الهدى)
- أنزل الله سبحانه وتعالى هذه الآية الكريمة في سورة فصلت، مصورًا حال قوم سيدنا صالح، ثمود، وكيف أنه أرشدهم إلى الطريق المستقيم من خلال نبيهم صالح عليه السلام. إلا أنهم أبوا ذلك الهدي، واستكبروا عنه، وفضلوا الضلال والمعاصي، وهو ما يُشار إليه بالعمى في هذه الآية، على الهداية والرشاد، وهو الهدى. لذلك، أنزل الله عليهم العذاب في الدنيا، والخزي في الآخرة.
وفي رواية قصتهم، نجد أنهم عارضوا نبي الله صالح عليه السلام حيث طلبوا منه إخراج ناقة مع وليدها من الجبل. وعندما حدثت المعجزة، كادوا أن يؤمنوا، لكن زعماء القوم أصروا على إبعادهم عن هذا الإيمان خوفًا على مناصبهم.
فقاموا بالتآمر على قتل الناقة، وعصوا أمر رسولهم، مما استدعى عليهم عذاب مدمّر، كما ورد في قوله تعالى: (فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ).
الابتعاد عن نهج الله: سبب للذل والهوان
- أشار الله سبحانه وتعالى إلى أن قوم ثمود عندما أعجبوا بأنفسهم واختاروا الكفر على الإيمان، أصابهم العذاب كعاقبة لصنيعهم. فاختيارهم للهوى على دين الله ألحق بهم الذل في الدنيا والهوان في الآخرة، كما ذكر ابن كثير: “بعث الله عليهم صيحةً ورجفةً، وذلاً وهواناً، وعذاباً ونكالاً”.
جميع ذلك ناتج عن أعمالهم السيئة، من تكذيب، وشرك، وجحود. وهذا أمر عام يشمل الجميع، حيث إن معايير الرفعة والشرف تحدد بطاعة الله وأداء النواهي. وكلما تمسك الإنسان بالحق وعمل به، ارتقى في مكانته، بينما كلما ابتعد عن الطريق الصحيح، عانى من العذاب والذل وفقًا لبعده عنه.
- في قوله تعالى: (فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)، يُشير إلى تأكيد المعنى بأن العذاب والهون يتناسبان مع المخالفات، فهذا يدل على أن العقوبة تأتي بمقدار الذنب، حيث إن الله لا يظلم أحد.