ترقيع الصلاة
يُعدّ سجود السهو، والمعروف أيضًا بترقيع الصلاة، موضوعًا ذا أهمية كبيرة في المذهب المالكي، إذ يتعلق بأحد أركان الإسلام الأساسية. حيث أشار النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى أهمية الصلاة بقوله: (استَقيموا ولَن تُحصوا، واعلَموا أنَّ خيرَ أعمالِكُمُ الصَّلاةَ، ولَن يحافظَ على الوضوءِ إلَّا مؤمنٌ). ولذلك، فقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالالتزام بالصلاة وإقامتها وفهم أحكامها. ومن هنا يتجلى ضرورة أن يكون المسلم مثقفًا بكيفية إصلاح صلاته في حالة السهو، لذا سنتناول في هذا المقال معنى ترقيع الصلاة، وأحكامه في المذهب المالكي، وأسباب وقوعه، وكيفية أدائه.
تعريف ترقية الصلاة
في اللغة، يُعرَف الدعاء بأنه الصلاة، كما ورد في قول الله تعالى: (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ)، بمعنى ادعُ لهم. أما التعريف الاصطلاحي للصلاة فينظر إليها كأقوال وأفعال محددة يؤدّيها المسلم، حيث يبدأها بالتكبير وينهيها بالتسليم مع وجود نية وفق شروط خاصة. وفي الوقت نفسه، يُستخدم مصطلح ترقيع الصلاة في المذهب المالكي للإشارة إلى موضوع السهو والمسائل المتعلقة بإصلاح الصلاة، حيث يُعرف السهو بأنه (الذهول عن شيء)، ويعني سجود السهو ما يتم في نهاية الصلاة أو بعدها لتصحيح أي خلل فيها نتيجة ترك واجب أو فعل محرم دون عمد.
حكم ترقيع الصلاة ومشروعيته
تتفق الآراء بين الفقهاء على مشروعية سجود السهو في الصلاة، حيث يُعتبر سجود السهو في المذهب المالكي سنةً مؤكدة سواء تم القيام به قبل انتهاء الصلاة أو بعدها. فقد اختلفت الآراء بشأن السجود قبل انتهاء الصلاة، حيث يرى بعض الفقهاء من المذهب المالكي، مثل ابن رشد الجد وابن رشد الحفيد والقاضي عبد الوهاب، أنه يجب القيام به، ولكن على الرغم من ذلك، فإن عدم إتيان السجود لا يبطل الصلاة، سواء تم ذلك عمدًا أو سهوًا، إلا في حالات معينة مثل ترك ثلاث سنن أو أكثر، أو حدوث فصل طويل، أو الخروج من المسجد، بينما لا يتعارض الفقهاء في عدم وجوب سجود السهو بعد انتهاء الصلاة.
دليل مشروعية سجود السهو
هناك العديد من الأحاديث النبوية الدالة على مشروعية سجود السهو (ترقيع الصلاة)، ومنها:
- ما رواه الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود حيث قال: (صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم الظهر خمسًا، فقيل: أزيد في الصلاة؟ قال: وما ذاك؟ قالوا: صلَّيتَ خمسًا، فسجد سجدتين بعد السلام).
- ما رواه أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا شك أحدكم في صلاته، فلا يدري أواحدة هي أم اثنتين أم ثلاثًا أم أربعًا؟ فليُتم ما شك فيه، ثم ليسجد سجدتين وهو جالس، فإن كانت صلاته ناقصةً قد أتمها، والسجدتان ترغيمٌ للشيطان، وإن كانت صلاته كاملةً، فالرّكعة والسجدتان نافلةٌ له).
- ما ذكره أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أحدكم إذا قام يصلي جاءه الشيطان فلبس عليه حتى لا يدري كم صلى. فإذا وجد ذلك أحدكم، فليسجد سجدتين وهو جالس).
أسباب وقوع ترقيع الصلاة
تتمثل أسباب سجود السهو في ثلاث حالات رئيسية وهي:
- النقص: وهو يتجلى في ترك المصلي لسنة مؤكدة أثناء الصلاة سواء كان ذلك عمدًا أو سهوًا، مثل ترك تكبيرتين غير تكبيرة الإحرام.
- الزيادة: وتنقسم إلى حالتين، الأولى هي زيادة فعل غير كثير مثل الكلام أو الأكل الخفيف، والثانية هي الزيادة التي تتمثل في فعل من جنس الصلاة.
- النقص والزيادة معًا: حيث ينقص المصلي سنة سواء كانت مؤكدة أو غير مؤكدة، فيكون سجود السهو مطلوبًا.
- الشك: حين يشك المصلي في عدد الركعات، فعليه أن يبني على الأقل وهو اليقين، ثم يسجد للسهو.
كيفية أداء ترقيع الصلاة
اتفق الأئمة في المذاهب الفقهية الأربعة على أن سجود السهو يتكون من سجدتين يؤديهما المصلي في حالة السهو. أما في المذهب المالكي، فقد اشترط الفقهاء الفرق بين سجود السهو الناجم عن نقص أو زيادة في الصلاة. فإذا كان السجود بسبب النقص، فإن كيفية القيام به تتلخص في:
- السجود سجدتين قبل التسليم من الصلاة.
- التشهد دون الدعاء أو الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
- ثم السلام.
أما في حالة النقص الناتج عن زيادة، فتكون كيفية السجود كما يلي:
- إنهاء الصلاة والسلم.
- القيام بسجدتين لسجود السهو مع استحضار النية.
- إجراء التشهد دون الدعاء أو الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
- ثم السلام.
أما إذا كان سجود السهو ناتجًا عن نقص وزيادة معًا، فإنه يتم اتباع نفس الإجراء المتعلق بالنقص، مع التعويل على الجانب الناقص، ويكون السجود قبل السلام.
واجبات وسنن سجود السهو
يشتمل سجود السهو في فقه المالكية على واجبات وسنن، حيث تتلخص الواجبات في خمسة:
- الواجبات:
- النية؛ والتي تعني الإتيان بسجود السهو، حيث تدخل النية في السجود القبلي في نطاق نية الصلاة.
- السجدة الأولى.
- السجدة الثانية.
- الجلوس بين السجدتين.
- السلام، الذي يُعتبر جزءًا من صلاة السجود القبلي.
- السنن:
- التكبير عند الهبوط والارتفاع عن السجود.
- التشهد.