تحليل قصيدة “بعد الفراق” للشاعر معروف الرصافي

التحليل الموضوعي لقصيدة “بعد البين” لمعروف الرصافي

في قصيدته “بعد البين”، يتناول معروف الرصافي مشاعر الفراق والغربة:

لقد طَوَّحَتْني في البلاد مُضاعا

طوائح جاءت بالخطوبِ تباعا

فبارحت أرضاً ما ملأت حقائبي

سوى حبّها عند البَراح متاعا

عتَبْت على بغداد عَتْب مُوَدِّع

أمَضَّتْه فيها الحادثاتِ قراعا

أضاعَتْنيَ الأيام فيها ولو دَرَتْ

لعزّ عليها أن أكون مُضاعا

يعبر الشاعر عن فقدان الحنان والعاطفة التي لم يحصل عليها حتى بعد فراقه عن وطنه المحبوب، مشيراً إلى أنه لن يتوانى في الدفاع عن بلده العزيز، حتى يتجاوز حسرته.

ولو كنت أدري أنها أعجميّة

تَخِذت بها السيف الجُراز يراعا

ولو شئت كايَلْت الذين انطَوَوا بها

على الحِقد صاعاً بالعِداء فصاعا

ولكن هي النفس التي قد أبَتْ لها

طباع المعالي أن تَسُوء طباعا

أبَيْت عليهم أن أكون بذِلّةٍ

وتأبى الضَواري أن تكون ضباعا

على أنني دارَيْت ما شاء حقدهم

فلم يُجْدِ نفعاً ما أتَيْت وضاعا

هنا، يتجنب الشاعر الانغماس في الصراعات الدنيئة ويجمع قلمه ليكون صوت الحق، رافضًا أن ينجرف نحو الحقد أو العداء.

تركت منِ الشعر المديح لأهله

ونزّهت شعري أن يكونِ قذاعا

وأنشدته يجلو الحقيقة بالنُهَى

ويكشِف عن وجه الصوابِ قناعا

يؤكد الشاعر على اعتزازه بشعره، حيث يفضل أن يتناول القضايا الحقيقية بعيدًا عن المدائح غير المستحقة.

وأرسلته عفواً فجاء كما ترى

قَوافيَ تَجتْاب البلادِ سراعا

وقفت غداة البَيْن في الكرخ وقفةً

لها كَرَبت نفسي تطير شَعاعا

أودّع أصحابي وهم مُحدِقون بي

وقدِ ضقت بالبين المُشِتّ ذراعا

أودّعهم في الكرخ والطرف مرسِل

إلى الجانب الشَرقيّ منه شُعاعا

يصف الشاعر لحظات الفراق الأليمة التي يعيشها، حيث يجد نفسه متألمًا أمام غيابه عن أحبائه وهم يحاصرونه بالنظرات. يمثل الكرخ رمزًا لذكرياته المليئة بالعواطف.

وكنت أظنّ البين سهلاً فمذ أتى

شَرَى البين مني ما أراد وباعا

وإنّي جبان في فراق أحِبّتي

وإن كنت في غير الفراق شجاعا

تعكس هذه الأبيات معاناة الشاعر حول صعوبة الفراق والألم الناتج عنه، مؤكدًا أن شجاعته لا تتجاوز لحظات الفراق.

كأنّي وقد جَدَّ الفراق سفينةٌ

أشالت على الريح الهَجومِ شراعا

فمالت بها الأرواح والبحر مائج

وقد أوشكت ألواحها تتداعى

فتحسبني من هزّة فيّ أفْدَعاً

ترقَّى هضاباَ زُلزلت وتِلاعا

يستحضر الشاعر صورة السفينة التي تواجه عواصف الفراق، مما يعكس حالة الاضطراب والقلق في روحه. فالحزن يسكن قلبه، ويحول دون نسيانه لأحبائه.

رعى الله قوماً بالرُصافة كلما

تذكَّرتهم زاد الفؤاد نزاعا

أبيت وما أقوى الهموم بمَضجَع

تُصارعني فيه الهمومِ صراعا

وألْهو بذكراهم على السير كلما

هبَطتِ وهاداً أو علوت يَفاعا

هم القوم أما الصبر عنهم فقد عصى

وأما أشتياقي نحوَهم فأطاعا

يعود الشاعر ليشدد على حنينه المستمر لأحبابه في الرصافة، حيث يتضح أن قدرتهم على النسيان لم تكن ممكنة، بل تعتبر بمثابة صراع دائم في قلبه.

التحليل الفني لقصيدة “بعد البين” لمعروف الرصافي

استخدم معروف الرصافي في قصيدته مجموعة من الصور الفنية كالاستعارات والتشبيهات، ومن أبرز هذه الصور ما يلي:

  • ما ملأت حقائبي سوى حبّها

يشبه الحب بالأشياء التي تُملأ في الحقيبة، حيث تم حذف المشبه به مع الإبقاء على لوازمه في استعارة مكنية.

  • أضاعَتْنيَ الأيام فيها

يشبه الأيام بالإنسان الذي يضيع شيئًا، حيث حذف المشبه به مع إبقاء جزء من لوازمه في استعارة مكنية.

  • تركت منِ الشعر المديح لأهله

يشبه الشعر بشيء يتم تناقله، حيث تم حذف المشبه به مع الإبقاء على جزء من لوازمه في استعارة مكنية.

التحليل الإيقاعي لقصيدة “بعد البين” لمعروف الرصافي

اعتمد الشاعر معروف الرصافي على البحر الطويل في هذه القصيدة، بتفعيلته “فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن”، مما يمنحه مجالاً واسعًا للتعبير أثناء كتابة الأبيات.

بدأ الشاعر بكلمة “لقد” في مطلع القصيدة لتأكيد المعاني المهمة التي ستستعرض، وتكرر حرف العين بشكل ملحوظ بسبب الألم الذي يعتريه، حيث يعد حرف العين من الحروف الحلقية التي تساعد في التعبير عن هذا النوع من الحزن العميق.

Scroll to Top