تعريف الشعر الوجداني وخصائصه مع تقديم أمثلة توضيحية عليه

تعريف الشعر الوجداني وأصوله

يُعتبر الشعر الوجداني أحد الأشكال الشعرية التي تعكس الجانب الذاتي للشاعر، حيث يُظهر مشاعره وأحاسيسه الشخصية، أو مشاعر الآخرين وتجاربهم.

ويتميز هذا النوع من الشعر بصدقه العميق، إذ تتمحور أهم ميزاته حول قوة العواطف وعمق الأحاسيس، بالإضافة إلى التعبير عن المعاناة التي يعانيها الشاعر.

لا يسعى الشاعر الوجداني إلى إخفاء مشاعره أو التستر عليها. بل يسردها بشكل تلقائي، معبراً عن حبه الحقيقي، بعيداً عن الزيف أو التصنع. يعرف الشعر الوجداني بأنه شعر يحمل الطابع الغنائي الناتج عن تجارب الشاعر المؤلمة أو الذي تسيطر عليه العاطفة.

لقد بدأت جذور الشعر الوجداني في الأدب الجاهلي، إذ تجلى في شعر مثل مجنون ليلى وجميل بثينة، وتطور خلال العصر العباسي مع شعراء مثل المتنبي، وابن تمام، والرومي، وصولاً إلى الشريف الرضي، الذي يُعتبر واحداً من أبرز الشعراء الوجدانيين.

مراحل تطور الشعر الوجداني في الأدب العربي

شهد الشعر الوجداني العربي مراحل متعاقبة تاريخياً، وأهم هذه المراحل كما يلي:

الشعر الوجداني في العصر الجاهلي وما قبله

تُعتبر هذه المرحلة أرضية انطلاق الشعر الوجداني في الأدب العربي، حيث اتسم شعراء المعلقات بحس وجداني عميق، مما أثرى القصائد بمزيد من المعاني الذاتية. كما يشار إلى شعر الوجداني في تلك الفترة بالشعر الانفعالي، نتيجة تمرد الشعراء على الأوضاع الاجتماعية السائدة وتجاربهم الشخصية، مثل الوقوف على الأطلال.

ومن أبرز الشعراء الوجدانيين في العصر الجاهلي، الشاعر طرفة بن العبد وشعراء الصعاليك مثل عروة بن الورد.

الشعر الوجداني في عصر صدر الإسلام

انصب التركيز في عصر صدر الإسلام على الشعر العذري، وهو نوع من الغزل، حيث تجلى جانب آخر من الوجدانية عند الشعراء في تلك الحقبة، وذلك من خلال انغماسهم في الذاتية ورفضهم لملذات الحياة. ومن أبرز الشعراء الوجدانيين في هذه المرحلة الشاعر عروة بن حزام العذري.

الشعر الوجداني في العصر العباسي

برزت في العصر العباسي نبرة تمرد واضحة، تجلت بشكل خاص في قصائد أبي نواس، الذي تحدى كل ما هو تقليدي ودعا إلى التجديد في مختلف جوانب الحياة. وقد ظهرت الرومانسية كتيار شعري ناتج عن الوجدانية، سعياً لتقليد جمال الطبيعة. كما اتضح الجانب الوجداني بشكل واضح في شعر الرثاء، وخاصة في شعر أبي نواس.

خصائص الشعر الوجداني

وتمتاز الأشعار الوجدانية بالعديد من الخصائص، من أبرزها:

الصدق

الصدق هنا يعبر عن الشفافية والابتعاد عن التكلف، مما يعكس أحاسيس خالصة دون أغراض أخرى. ومن أبرز القصائد التي تعكس سمة الصدق في الشعر الوجداني قصيدة الشريف الرضي “أحبك ما أقام منىً وجمعٌ”، التي تعبر عن صادق المشاعر والإحساس العميق.

أُحِبُّكِ ما أَقامَ مِنىً وَجَمعٌ

وَما أَرسى بِمَكَّةَ أَخشَباها

وَما رَفَعَ الحَجِجُ إِلى المُصَلّى

يَجُرّونَ المَطِيَّ عَلى وَجاها

الذاتية

تشير الذاتيّة إلى أن الشعر يعبر عن مشاعر الشاعر فقط، دون محاولة لتحقيق مصالح لطيفٍ معين. يُعتبر الشاعر بمثابة مرآة لنفسه، ومن أمثلة ذلك قصيدة الشريف الرضي “يا ليلة السفح”.

يا لَيلَةَ السَفحِ أَلّا عُدتِ ثانِيَةً

سَقى زَمانَكَ هَطّالٌ مِنَ الدِيَمِ

أهمية الشعر الوجداني

يتمتع الشعر الوجداني بأهمية كبيرة، تتجلى في النقاط التالية:

  • يساعد الشعراء في التعبير عن مشاعرهم الداخلية بشكل صادق وشفاف.
  • يمثل الشعر الوجداني نوعاً من الشعر الغنائي الذي ينبض بالحس الرفيع، بالإضافة إلى العاطفة المتدفقة، ما يجعله محبوباً لدى الجمهور.
  • لا يسعى الشاعر الوجداني إلى تحقيق مكاسب معينة، بل يركز على إظهار مشاعر الذات.

شعراء الشعر الوجداني

يوجد العديد من الشعراء المتميزين في مجال الشعر الوجداني، ومن أبرز هؤلاء:

  • أبو الطيب المتنبي (303-354هـ)

يُعرف المتنبي بنسبه إلى والده المعروف بلقب عبدان السقَّاء، والذي كان له علاقات مع الشاعر الأصمعي. تنقَّل والده به بعد أن لاحظ نبوغه الفريد. انخرط المتنبي في دوائر الشعراء والعلماء في زمانه مثل: الزجاج، وابن السراج، والأخفش، ويُعتبر شعره تجسيداً للوجدانية حيث يعبر عن أحواله وأحاسيسه بصدقية عالية.

  • أبو الحسن مهار الديلمي (365-428هـ)

اشتهر الديلمي في العقد الأخير من القرن الرابع الهجري في ظل دولة البويهيين. بينما لا يُعرف نسبه بدقة، فقد عُرف بكتاباته النثرية وأشعاره الوجدانية التي تتسم بالمشاعر المرهفة.

مؤلفات حول الشعر الوجداني

يوجد العديد من الكتب التي تناولت الشعر الوجداني عبر العصور، ومن أبرزها:

  • كتاب “الشعر الوجداني في المملكة العربية السعودية”

من تأليف الدكتور مسعد بن عيد العطيوي، حيث تناول الكتاب الشعر الوجداني عبر العصور بدءاً من العصر الجاهلي وحتى العصر الحديث، وصدر عام 1996م.

  • كتاب “أروع ما قيل في الوجدانيات”

للكاتب إميل ناصيف، حيث يتناول الكتاب الشعر الوجداني في العصر الجاهلي، وعصر صدر الإسلام، والعصر العباسي، ويعد مرجعاً شاملاً في هذا المجال، صدر عن دار الجيل في بيروت.

نماذج من الشعر الوجداني

توجد العديد من النماذج البارزة في الشعر الوجداني، منها:

  • يقول امرؤ القيس في قصيدة “لمن طلل”:

لِمَن طَلَلٌ بَينَ الجُدَيَّةِ والجبَل

مَحَلٌ قَدِيمُ العَهدِ طَالَت بِهِ الطِّيَل

  • ويدرج ابن الرومي في قصيدته “نظرت إلى الرغيف”:

نظرتُ إلى الرغيفِ فردّ رُوحِي

لدى حجرٍ يرُضُّ ولا يُرَضُّ

  • كما يقول أحمد شوقي في قصيدته “صحوت واستدركتني شيمي”:

صحوت واستدركتني شيمتي الأدبُ

وبت تنكرني اللذات والطربُ

Scroll to Top