تفسير آية (حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله)
قال -تعالى-: (وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِن لَّمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ*وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ﴾. ويشير “يلمزك” إلى اغتيابك أو ذمك في موضوع الصدقات، حيث نزلت هذه الآية في ثعلبة بن حاطب الذي كان ينبئ بالنفاق ويقول إن محمدًا يعطي من يشاء، فإن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط.
وقد زعم المنافقون أن محمدًا يعطي فقط من يحب، لذا أبلغ الله -عز وجل- نبيه أن الصدقات تأتي من الله وليست من محمد -صلى الله عليه وسلم- نفسه، فقال -تعالى-: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ). قال أبو جعفر: لو أن الذين يلومون محمدًا في الصدقات قابلوا ما منحهم الله ورضوا بما قسمه لهم وقالوا: كافينا الله، لكان من الخير لهم أن يعطهم الله -تعالى- من فضله.
فمن طبيعة الله أنه يوسع فضله على العباد، حيث يمكن أن يغنيهم عن الحاجة إلى الصدقات والأسئلة عن الناس. وإذا انقطعوا إلى الله وسلموا أمرهم له، ورضوا بحكمته -عز وجل-، لكان ذلك أفضل لهم وأهدى سبيلًا. وهذا هو الموقف المناسب للمسلم في مواقف البذل والعطاء أو في حالات المنع.
وقد أظهر الله -عز وجل- في هذه الآية المباديء الصحيحة في العطاء والمنع، حيث يدرك المؤمن أن ما يصيبه من خير وشر هو بإذن الله وما كان ليصيبه لم يكن ليخطئه، وأن النفس لن تفارق هذه الدنيا حتى تستكمل رزقها وأجلها. لذا فإن موقف هؤلاء هو الرضا بما قسمه الله -تعالى-، فإذا قالوا “حسبنا الله سيؤتينا من فضله” كان ذلك خيرًا لهم، حيث ذكر الرسول في السياق لأنه كان حاضرًا.
الرضا بما قسمه الله
عندما يرضى الإنسان بما قسمه الله له يصبح أغنى الناس في المال والأبناء والموهبة. وهذا تجلٍ لطبيعة القرآن، حيث أن معظم أفراد الجيل الأول لم يكونوا أغنياء بل عاشوا في فقر ولم ينعموا بمساكن فخمة أو وسائل راحة، ومع ذلك أثروا في حياة البشر واستطاعوا تغيير مسار المجتمع نحو الخير. فبارك الله في أقوالهم وأعمالهم وأعطاهم الكثير.
بينما نجد في المقابل أفرادًا أعطاهم الله الرزق والمال فكان ذلك سبب شقائهم وتعاستهم، فابتعدوا عن فطرتهم السليمة. وهذا يعني أن المال والموارد ليسا دائمًا علامة على النجاح، إذ يمكن أن نجد من يملك شهادات مرموقة لكنه قليل الإنتاجية، في حين أن آخرين قد يكون علمهم محدودًا ولكنهم يحققون مكاسب كبيرة من خلال عطاءهم.
إن الرضا بما قسم لنا الله، وعدم شعور الإنسان بالسخط، هو أعلى درجات الإيمان، بحيث يرى نفسه في غاية الفناء ويعترف بأن وجوده وخصائصه تتلاشى في ضوء وجود الله الواحد الحق. وعليه، فإن الرضا بما قسم الله له، وفهم أنه ليس مخيرًا إنما اختيار الله هو الحكم، يعتبر من أعظم درجات الإيمان.
الرغبة فيما عند الله
من العوامل الأساسية التي تساعد في تحقيق صفاء القلوب وإذابة الأحقاد وجلب المودة بين الناس هي الرغبة فيما عند الله. قال -تعالى-: (الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).
والذي يستطيع أن يكتم غيظه وهو قادر على الانتقام، يحصل على أجر عظيم من الله -تعالى-. والصبر على الأذى من الأعمال الخيرة التي تعود بالفائدة على صاحبها في الدنيا والآخرة، نظرًا لأنه يتطلع إلى ما عند الله -عز وجل-.
كما نجد بعض الأشخاص يسعون لطلب العلم دون التطبيق العملي، حيث يكونون راغبين في المعرفة أثناء وجودهم في مجالس العلم، ولكنهم ينسون ما تعلموه بعد مغادرتهم. فالعلم حجة على صاحبه إذا لم يتبعه عمل، وما يقوم به الإنسان يحسب له، مهما كان صغيرًا. والعلم ليس مجرد معلومات نظرية، بل يتطلب التطبيق العملي والرغبة فيما عند الله -عز وجل- تتطلب الانشغال في طاعة الله في كافة جوانب الحياة.