تعاون الصحابة في إنشاء الخندق للدفاع عن المدينة

حفر الخندق وتعاون الصحابة فيه

تُعدّ الأحداث التي سبقت غزوة الخندق، بالإضافة إلى استعداد المسلمين لها، نموذجاً يُحتذى به في التعاون والتضامن بين المسلمين من أجل نصرة الإسلام والدفاع عنه. فقد اتفق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على رأي سلمان الفارسي -رضي الله عنه- بضرورة حفر الخندق لحماية حدود المدينة.

شارك النبي -صلى الله عليه وسلم- بشكل فعّال في حفر الخندق، إلى جانب الصحابة -رضوان الله عليهم- حيث بذل كل فرد منهم ما في وسعه من جهد. وعندما واجهتهم صعوبات في الحفر، كانوا يلجؤون إلى رسول الله للمساعدة. وقد عُرف أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يعمل حتى غطّت التربة جلدة بطنه نتيجة الاجتهاد، مردداً قوله: (واللَّهِ لَوْلَا الله ما اهْتَدَيْنَا، ولَا صُمْنَا ولَا صَلَّيْنَا، فأنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا، وثَبِّتِ الأقْدَامَ إنْ لَاقَيْنَا، والمُشْرِكُونَ قدْ بَغَوْا عَلَيْنَا، إذَا أرَادُوا فِتْنَةً أبيْنَا).

أبعاد الخندق ومدة الحفر

تشكّل عملية حفر الخندق تحدياً كبيراً للمسلمين من حيث الوقت المتاح وطبيعة العمل المطلوبة. ولقد وفقهم الله، وبفضل تعاونهم، تمكنوا من إنجاز هذه المهمة الكبيرة خلال ستة أيام، حيث بلغ طول الخندق حوالي خمسة آلاف ذراع، وتفاوت عمقه بين سبعة وعشرة أذرع، بينما كان عرضه أقلّه تسعة أذرع. وقد ذكر بعض كُتّاب السير أن طول الخندق وصل إلى اثني عشر ألف ذراع.

لإتمام هذه العملية، قام النبي -صلى الله عليه وسلم- بتقسيم الصحابة الكرام إلى مجموعات عمل، حيث تضمّ كل مجموعة عشرة رجال، على أن تتولى كل مجموعة حفر أربعين ذراعاً وفقاً للمواصفات المذكورة.

قصة غزوة الخندق

تُعتبر غزوة الخندق، والمعروفة أيضاً بغزوة الأحزاب، واحدة من أهم وأكبر الغزوات التي واجه فيها المسلمون مشركي قريش. وقد حدثت في السنة الخامسة للهجرة، حيث اجتمع نحو عشرة آلاف مشرك من قريش وغيرهم، مدعومين باليهود، وتوجهوا نحو المدينة المنورة بهدف القضاء على الإسلام.

عندما وصلت أخبار الهجوم إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، استشار الصحابة الكرام -رضوان الله عليهم-، وأشار سلمان الفارسي -رضي الله عنه- بحفر خندق في المناطق المعرضة للاختراق في المدينة المنورة، حيث كان من الصعب مواجهة القوات المهاجمة، وتم فعل ذلك، مما حال دون اجتياز الأعداء للخندق.

وحاول اليهود إيجاد مدخل من خلال مناطق بني قريظة، واتفقوا مع المشركين على نقض العهد مع المسلمين. لكن الله -سبحانه وتعالى- هدى أحد المشركين، وهو نعيم بن مسعود -رضي الله عنه-، الذي قام بتفكيك هذه الاتفاقية بخطته الذكية. وفي النهاية، أرسل الله -عز وجل- ريحاً شديدة هزمت الأحزاب، مما أجبرهم على الانسحاب إلى ديارهم بعد شهرٍ من الحصار.

Scroll to Top