تاريخ غزوة حُنين
شهدت غزوة حُنين حدثًا تاريخيًا هامًا في شهر شوّال من السنة الثامنة للهجرة، بعد الفتح العظيم لمكة المكرمة. تعتبر هذه الغزوة واحدة من أهم وأخطر الغزوات في التاريخ الإسلامي. ووفقًا لبعض العلماء، يُعتقد أن هذه المعركة وقعت في الخامس من شوّال، حيث أشار ابن مسعود -رضي الله عنه- إلى أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أقام في مكة لمدة خمسة عشر يومًا بعد الفتح. وهناك رأي آخر يشير إلى أن الغزوة حدثت في يوم السبت السادس من شوّال، حيث وصل النبي -عليه الصلاة والسلام- والجيش الإسلامي إلى وادي حُنين مساء الثلاثاء في العاشر من شوّال. وذلك بناءً على أن فتح مكة قد تم في العشرين من شهر رمضان، وبالتالي انتقل النبي -عليه الصلاة والسلام- بعد خمسة عشر يومًا إلى حُنين. وإذا كانت غزوة حُنين مكملة لفتح مكة، فإن معرفة تاريخها ترتبط ارتباطًا وثيقًا بمعرفة تاريخ الفتح والإقامة هناك. وبهذا، تُعرف الغزوة أيضًا بغزوة هوازن.
أسباب غزوة حُنَين
كان الدافع الرئيسي وراء غزوة حُنين هو القلق الذي انتاب أعيان قبيلتي هوازن وثقيف من هجوم النبي -عليه الصلاة والسلام- عليهم بعد فتح مكة. إذ أدت الهزيمة السريعة للمشركين من قريش إلى توحيد القبائل الأخرى للاستعداد لمقاومة النبي -صلى الله عليه وسلم-، حيث كانت كل من قبيلتي هوازن وثقيف، بالإضافة إلى حلفائهم من نصرة وحشم وبني هلال.
نتائج غزوة حُنين
اتسمت نزلات المسلمين في وادي حُنين بالتأثير الكبير على نتائج المعركة، حيث قام المشركون بإعداد كمائن لهم في أنحاء الوادي، مما أدى إلى تشتت بعض المسلمين وبدء فرارهم. ولكن النبي -عليه الصلاة والسلام- مع مجموعة صغيرة من المهاجرين والأنصار وأفراد أسرته ثبتوا في معركتهم، مما أدى إلى تغيير مجريات المواجهة. وقد بدأ النبي يُنادي الفارين، قائلاً: (إِلَيَّ أَيُّهَا النَّاسُ، هَلُمُّوا إِلَيَّ، أنَا رَسُولُ اللَّهِ، أنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللَّهِ)، لكن نداءه لم يُلتفت إليه في بداية الأمر. ثم تقدم نحو المشركين مستأنفًا صرخته: (أنا النبيُّ لا كَذِبْ، أنا ابنُ عبدِ المُطَّلِبْ)، وبعد ذلك نزل عن بغلته وبدأ بالدعاء لله تعالي بالنصر. وقاد النبي ومن معه القوات الإسلامية في المعركة، وأمر عمه العباس بن عبد المطلب بأن ينادي على من فرّ من المسلمين، فنادى عليهم: “يا أصحاب السَّمُرة” -وهي شجرة بيعة الرضوان- مما أعاد بعضهم إلى ساحات القتال وهم يهتفون: “لبّيك لبّيك”. وكان لدعوة العباس تأثير قوي على إيمانهم. كما أمدَّ الله -عز وجل- الملائكة لمساندة المسلمين في المعركة، وكان قد شجع النبي -عليه الصلاة والسلام- المقاتلين بأن من يقتل مشركًا فله الغنائم.
أسفرت غزوة حُنين عن خسائر فادحة للمشركين في الأرواح والعتاد، حيث قُتل المئات من بينهم العديد من القادة والفرسان. وقد سقط من بني مالك وحدهم سبعون رجلاً. كما كانت من النتائج أيضًا فرار مالك بن عوف ومن معه من ثقيف نحو الطائف، بالإضافة إلى انسحاب هوازن والقبائل الأخرى نحو أوطاس ونخلة. وقد أعقب ذلك مطاردة المسلمين لهم، حيث تكبدت هوازن خسائر كبيرة في الأرواح واستسلم عدد كبير منهم وأسروا في يد المسلمين.