الانزياح: تعريفه ومفاهيمه
يعرف الانزياح في اللغة بأنه التحول والاختفاء، حيث تعني عبارة “أزاح الأمر” إنهاءه. ولهذا المصطلح العديد من الترجمات في اللغة العربية، ومن أبرزها “الانحراف” و”العدول”. وقد تم استبعاد مصطلح الانحراف نظرًا لأنه ينطوي على فهم محدود للأسلوب، بينما يُستخدم “العدول” في الدراسات النحوية والبلاغية التقليدية.
أما الاصطلاح، فيشير الانزياح إلى التباعد أو تغيير المسار. يرتبط مفهوم الانزياح بانتقال الكلام من الخصائص الإخبارية إلى الخصائص الإنشائية. وقد تم استخدامه في البلاغة العربية كوسيلة لتغيير الصياغة المألوفة للغة أو الانتقال بين مستوياتها الصوتية والدلالية. وتعددت الألفاظ الدالة على الانزياح في الدراسات البلاغية والأسلوبية، مثل التجاوز والخطأ والكسر.
أنواع الانزياح: المستويات المتعددة
- الانزياح الدلالي (الاستدلالي)
يعني هذا النوع التغير في مفاهيم الوحدة اللغوية أو دلالاتها، مثل الاستعارة والمجاز والكناية والتشبيه. وقد أطلق عليه البعض لقب “التلاعب باللغة”، إذ يتجاوز المعنى الحقيقي إلى معانٍ مجازية متعددة.
- الانزياح التركيبي
يتعلق هذا النوع بتراكيب الجمل بشكل عام، بما في ذلك الحذف أو تقديم وتأخير المبتدأ والخبر، والصفة والموصوف. يمتلك الأديب المتمكن القدرة على تشكيل اللفظة بصورة جمالية دون تخطي حدود المألوف.
- الانزياح الإيقاعي
يعنينا هنا التغير في الوزن والقافية والنغم. ويتشابه هذا الانزياح مع الدلالي. لذا، يرتبط الشاعر ارتباطًا وثيقًا باللغة من خلال هذين الانزياحين، بينما يعتبر الأسلوب الشعري من الأبعاد الأساسية لهذا النوع.
- الانزياح الأسلوبي
يهتم هذا النوع بتغيير دلالات الأساليب الخبرية والإنشائية عن معانيها الأصلية، مما يؤدي إلى إنتاج دلالات جديدة ومختلفة.
أمثلة على الانزياح في الشعر
- في قصيدة “مزمور” لأدونيس
يقول أدونيس:
إنه الريح لا ترجع القهقرى والماء لا يعود إلى منبعه يخلق نوعه بدءًا من نفسه_لا أسلاف له وفي خطواته جذوره
يتبين من الأبيات أن الشاعر اختار الريح لتكون خبرًا، وقد كسر ما هو متعارف عليه بإعطائها خبرًا ليس من جنس الضمير. وتبرز الدلالة من فكرة غموض المعنى، لكنها تحمل إيحاءً بقوة الريح وقدرتها على مواجهة التحديات.
- في قصيدة “ينام في يديه” لأدونيس
يقول:
يمد راحتيه للوطن الميت للشوارع الخرساء
وحينما يلتصق الموت بناظريه
يلبس جلد الأرض والأشياء
هنا نجد أنه منح الصفات للموصوفات، بحيث أطلق صفة “الميت” على الوطن و”الخرساء” على الشوارع. وهذا يوحي بموت الوطن سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا، ويعكس كذلك غياب الصوت في الشوارع.
- في قصيدة نازك الملائكة “البحث عن السعادة”
حيث تقول:
أين من هذه الحياة ابتسامات الأماني ونشوة الأفراح
يتجلى الانزياح هنا في عبارة “ابتسامات الأماني”، بحيث تتجاوز المعاني التقليدية، حيث تشبه الأماني بشخص قادر على الابتسام.