تحليل معلقة امرئ القيس
تعد معلقة امرئ القيس واحدة من أشهر القصائد في الأدب العربي الجاهلي. يتناول هذا المقال تحليلًا موجزًا لهذه المعلقة الشهيرة.
شرح معلقة امرئ القيس
يبدأ امرؤ القيس معلقته بالقول:
قِفا نَبْكِ مِن ذِكرى حَبيبٍ وَمَنْزِلِ
بِسِقطِ اللوى بَيْنَ الدَخُولِ فَحَوْمَلِ
فَتوضِحَ فَالْمِقْراةِ لَم يَعفُ رَسمُهَا
لِما نَسَجَتْها مِن جَنوبٍ وَشَمْأَلِ
تَرى بَعَرَ الأرْآمِ في عَرَصَاتِها
وَقيعانِهَا كَأَنَّهُ حَبُّ فُلفُلِ
في هذه الأبيات، يعبّر امرؤ القيس عن مشاعر الحزن التي يعيشها، ويطلب من رفاقه الوقوف على أطلال المنازل التي تركها الأحباب، مسترجعًا بعض المواقع مثل الدخول وحومل والمقراة، ويصف حالة الديار بعد مغادرت أصحابها، مشيرًا إلى بقايا آثار الحيوانات التي لم تندثر.
كَأَنّي غَداةَ الْبَينِ يَوْمَ تَحَمَلُوا
لَدى سَمُراتِ الحَيِّ ناقِفُ حَنظَلِ
وُقوفًا بِها صَحبي عَلَيَّ مَطِيِّهُمْ
يَقولونَ لا تَهْلِكْ أَسَىً وَتَجَمَّلِ
وَإِنَّ شِفائي عَبْرَةٌ مَهَراقَةٌ
فَهَل عِنْدَ رَسمٍ دارِسٍ مِن مُعَوَّلِ
كَدَأبِكَ مِن أُمِّ الحُوَيرِثِ قَبلَهَا
وَجارَتِها أُمِّ الرَبابِ بِمَأسَلِ
فَفاضَت دُموعُ العَينِ مِنّي صَبابَةً
عَلى النَحْرِ حَتّى بَلَّ دَمعِيَ مِحمَلي
يبين الشاعر أنه عندما تفرق الأحباب، كان يشعر كمن يواجه مرارة الحنظل، وتنهال دموعه بغزارة، بينما ينصحه أصحابه بالصبر، إلا أنه يجد في دموعه عزاء. ويستعيد ذكرياته مع الشريكات السابقة في حياته، حتى تلون دموعه لحيته.
أَلا رُبَّ يَومٍ لَكَ مِنهُنَّ صالحٍٍ
وَلا سِيَّما يَومٍ بِدارَةِ جُلجُلِ
وَيَومَ عَقَرتُ لِلعَذارى مَطِيَّتي
فَيا عَجَبًا مِنْ كورِها المُتَحَمَّلِ
فَظَلَّ العَذارى يَرتَمينَ بِلَحمِها
وَشَحمٍ كَهُدّابِ الدِمَقسِ المُفَتَّلِ
يستذكر امرؤ القيس اليوم الذي التقى فيه بعنيزة وصويحباتها عند النهر، والذي قام فيه بذبح ناقته لتقديم الطعام لهن. ويتعجب من كمية اللحم والشحم الوفير الذي تمتلكه ناقته.
وَيَومَ دَخَلتُ الخِدرِِ خِدرَ عُنَيزَةٍ
فَقالَت لَكَ الوَيلاتُ إِنَّكَ مُرجِلي
تَقولُ وَقَد مالَ الغَبيطُ بِنا مَعًا
عَقَرتَ بَعيري يا اِمرَأَ القَيسِِ فَاِنزِلِ
فَقُلتُ لَها سيري وَأَرخي زِمامَهُ
وَلا تُبعِديني مِن جَناكِ المُعَلَّلِ
فَمِثلُكِ حُبلى قَدْ طَرَقتُ وَمُرضِعٍ
فَأَلهَيتُها عَن ذي تَمائِمَ مُحوِلِ
إِذا ما بَكى مِن خَلفِها اِنصَرَفَتْ لَهُ
بِشِقٍّ وَتَحتي شِقُّها لَم يُحَوَّلِ
وَيَومًا عَلى ظَهرِ الكَثيبِ تَعَذَّرَت
عَلَيَّ وَآلَت حَلفَةً لَم تُخَلَّلِ
يصف هنا كيف دخل على عنيزة في خدرها، وكيف بادرت بالجزع حين رآها، لكنه طمأنها وأخبرها أنه يريد قضاء وقت ممتع معها، مشيرًا إلى علاقاته السابقة مع النساء وعدم خشيته من كونها حاملًا أو مرضعًا.
أَفاطِمَ مَهْلًا بَعضَ هَذا التَدَلُّلِ
وَإِن كُنتِ قَد أزمَعتِ صَرْمي فَأَجْمِلي
وَإِن تَكُ قَد ساءَتكِ مِنّي خِلقَةٌ
فَسُلّي ثِيابي مِن ثِيابِكِ تَنسُلِ
أَغَرَّكِ مِنّي أَنَّ حُبَّكِ قاتِلي
وَأَنَّكِ مَهما تَأمُري القَلبَ يَفعَلِ
وَما ذَرَفَت عَيناكِ إِلّا لِتَضرِبي
بِسَهمَيكِ في أَعشارِ قَلبٍ مُقَتَّلِ
يُظهر امرؤ القيس مشاعره تجاه فاطمة، ابنة عمه، متوسّلًا إليها أن تتجنب المبالغة في التدلل، مُشيرًا إلى فراقه عنها. ويعبر عن استعداده للتصالح، موضحًا أن دموعها تؤثر عليه أشد من أي ألم آخر.
وَبَيضَةِ خِدرٍ لا يُرامُ خِباؤُها
تَمَتَّعتُ مِن لَهْوٍ بِها غَيرَ مُعجَلِ
تَجاوَزتُ أَحراسًا إِلَيها وَمَعشَرًا
عَلَيَّ حِراسًا لَو يُسِرّونَ مَقتَلي
إِذا ما الثُرَيّا في السَماءِ تَعَرَّضَتْ
تَعَرُّضَ أَثناءِ الوِشاحِ المُفَصَّلِ
يصف هنا إحدى مغامراته الرومانسية، مشيرًا إلى الفتاة التي بها مقام وسمعة مرموقة. ويُظهر كيف أن الحراس حولها مستعدون للدفاع عنها بكل قوّة.
فَجِئتُ وَقَد نَضَّت لِنَومٍ ثِيابَها
لَدى السِترِ إِلّا لِبسَةَ المُتَفَضِّلِ
فَقالَتْ يَمينَ اللَهِ ما لَكَ حيلَةً
وَما إِن أَرى عَنكَ الغِوايَةَ تَنجَلي
خَرَجتُ بِها أَمشي تَجُرُّ وَراءَنا
عَلى أَثَرَينا ذَيلَ مِرطٍ مُرَحَّلِ
يوضح امرؤ القيس كيف اقترب من خدرها، وكيف كانت ترتدي لبس النوم الذي أضفى جوًا من المفاجأة والجرأة، ثم يصف كيف خرجا معًا يجتازان خيمتها في خفاء.
فَلَمّا أَجَزنا ساحَةَ الحَيِّ وَاِنتَحى
بِنا بَطنُ خَبثٍ ذي حِقافٍ عَقَنقَلِ
هَصَرتُ بِفَودي رَأسِها فَتَمايَلَت
عَلَيَّ هَضيمَ الكَشحِ رَيّا المُخَلخَلِ
إِذا اِلتَفَتَت نَحوي تَضَوَّعَ ريحُها
نَسيمَ الصَبا جاءَت بِرَيّا القَرَنفُلِ
يصف هنا كيف تجاوزوا عتبة حيها وتوجهوا إلى مكان بعيد حيث يمكنهم الانفصال عن العيون، ويبين انطباعه حول جمالها ورائحة جسدها العطرة التي تشبه عبير الأزهار.
الأفكار الرئيسة في معلقة امرئ القيس
تحتوي معلقة امرئ القيس على مجموعة من الأفكار الأساسية، والتي أبرزها:
- الوقوف على أطلال الأحباب والحنين إليها.
- الشعور بالحزن لفراق الأحباب.
- تذكر لحظات الطفولة مع عنيزة وصويحباتها.
- التذّكر لفاطمة ومحاولات الاعتذار.
- استرجاع مغامراته مع الفتاة التي أخذها بعيدًا عن قومها.
الصور الفنية في معلقة امرئ القيس
تضمنت معلقة امرئ القيس العديد من الصور الفنية، ومن أبرزها:
- تَرى بَعَرَ الأرْآمِ في عَرَصَاتِها
وَقيعانِهَا كَأَنَّهُ حَبُّ فُلفُلِ
قارن الشاعر بعر الآرام في المراعي بحب الفلفل، حيث تم حذف وجه الشبه، مما يجعل هذا التشبيه عبارة عن تشبيه مجمل.
- كَأَنّي غَداةَ الْبَينِ يَوْمَ تَحَمَلُوا
لَدى سَمُراتِ الحَيِّ ناقِفُ حَنظَلِ
يشبّه الشاعر نفسه بأنه يبكي كمن يشق ثمر الحنظل، مع حذف وجه الشبه، لذا فهذا أيضًا يعد تشبيهًا مجملًا.
- فَظَلَّ العَذارى يَرتَمينَ بِلَحمِها
وَشَحمٍ كَهُدّابِ الدِمَقسِ المُفَتَّلِ
يشبّه لحم الناقة وشحمها بهدّاب الدمقس، لكن لم يتم ذكر وجه الشبه، مما يجعله تشبيهًا مجملًا أيضًا.