الدليل الشرعي
يُعرّف الدليل في اللغة على أنه ما يوجه الإنسان نحو شيء ما، سواء كان هذا الشيء خيراً أو شراً، محسوساً أو معنوياً. أما في السياق الشرعي، فإن الدليل الشرعي يشير إلى ما يستند إليه المسلم لاستخراج حكم شرعي عملي. ويمكن أن يكون هذا الدليل قاطعاً أو ظنياً. ولذلك، تنقسم الأدلة الشرعية من حيث دلالتها إلى نوعين: الأول هو الأدلة الشرعية القطعية، والثاني هو الأدلة الشرعية الظنية. ومن المهم أن نشير إلى نقطتين رئيسيتين:
- النقطة الأولى: الأدلة الشرعية التي يعتمد عليها لاستنباط الأحكام العملية المتفق عليها بين جمهور العلماء هي أربعة: القرآن الكريم، السنة النبوية، الإجماع، والقياس. وقد استندوا في هذا إلى قول الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّـهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا). حيث أن طاعة الله -تعالى- تشير إلى اتباع القرآن، وطاعة الرسول تدل على اتباع السنة، وطاعة أولي الأمر تعني الالتزام بما يتوافق عليه المجتهدون، وإرجاع الأمور المتنازع عليها إلى الله ورسوله يشير إلى الاستناد إلى القياس.
- النقطة الثانية: يوافق العلماء على أهمية الاستناد إلى الأدلة الشرعية الأربعة وفق ترتيب معين، وهو القرآن ثم السنة ثم الإجماع ثم القياس، وهو ما تشير إليه الآية المذكورة سابقاً.
تعريف الأدلة الشرعية
القرآن الكريم
القرآن الكريم هو كلام الله -تعالى- من حيث اللفظ والمعنى، أنزل بواسطة جبريل -عليه السلام- على رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- باللغة العربية، وهو معجز في محتواه ومطلوب تلاوته. يُعتبر القرآن الكريم موصولاً بالتواتر كتابةً وتلاوةً، بحيث يبدأ بسورة الفاتحة وينتهي بسورة الناس. ومن الجدير بالذكر أن جميع نصوص القرآن الكريم قطعياً من حيث ثبوتها، كما يمكن تقسيمها من حيث دلالتها إلى قسمين:
- نصوص قطعية الدلالة: وهي النصوص التي تحمل معنى محدداً ولا يمكن تحملها لغير ذلك، مثل قول الله -تعالى-: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ)، حيث تعني هذه الآية أن حد الزنا هو مائة جلدة ولا أقل ولا أكثر.
- نصوص ظنية الدلالة: وهي النصوص التي تدل على مفهوم معين ولكن تحتمل تفسيرات أخرى، كما في قول الله -تعالى-: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ) حيث أن كلمة قروء قد تعني الحيض أو الطهر.
السنة النبوية
السنة النبوية تتضمن جميع ما أُرسل عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بخلاف القرآن الكريم من قول أو فعل أو تقرير. وتعتبر السنة النبوية مع القرآن الكريم مصدراً أساسياً للأدلة الشرعية. يجدر بالذكر أن نصوص السنة يمكن أن تكون قطعية أو ظنية من حيث الثبوت، كما يمكن أن تكون قطعية أو ظنية من حيث الدلالة.
الإجماع
الإجماع هو اتفاق مجتهدي أمة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بعد وفاته على حكم ديني، سواء في مجالات العبادات أو المعاملات أو العقوبات. وقد ثبتت صحة هذا الإجماع من خلال القرآن الكريم والسنة، كما يتضح من قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ).
القياس
القياس في اللغة يعني التقدير، وفي الاصطلاح الشرعي يُعرّف بأنه ربط حادثة أو واقعة لم يتم تأكيد حكمها من نصوص الكتاب أو السنة بحادثة أخرى ثبت حكمها من نص؛ بسبب اشتراكهما في علّة الحكم. وتم تأكيد حجية القياس في القرآن، والسنة، والإجماع، كما يظهر من قول عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- عن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي -صلّى الله عليه وسلّم- وسألته: (إنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أنْ تَحُجَّ فَلَمْ تَحُجَّ حتَّى ماتَتْ، أفَأَحُجُّ عَنْها؟ قالَ: نَعَمْ حُجِّي عَنْها، أرَأَيْتِ لو كانَ علَى أُمِّكِ دَيْنٌ أكُنْتِ قاضِيَةً؟ اقْضُوا اللَّهَ فاللَّهُ أحَقُّ بالوَفاءِ). فقد قرن رسول الله دين الله -تعالى- المتمثل في الوفاء بالنذر بدين البشر بسبب أن كلاهما حق لا يسقط إلا بأدائه.