التحليل الموضوعي لقصيدة دنشواي لأحمد شوقي
كتب أحمد شوقي:
- يا دِنشِوايَ عَلى رُباكِ سَلامُ
ذَهَبَت بِأُنسِ رُبوعِكِ الأَيّامُ
تفرّق شُهداءُ حكمكِ في البلادِ
يَصعبُ على الشملِ الشتيتِ نِظامُ
مَرّت عليهم في اللحود أَهلةٌ
وَمَضى عليهم في القيود العامُ
كيف تُعاني الأراملُ بعد اختفاء رجالها
وَبِأَيِّ حالٍ تُعاني الأيتامُ
يبدأ الشاعر أحمد شوقي قصيدته بالتعبير عن الحزن والأسى على دنشواي، تلك القرية الريفية بمصر حيث حدث نزاع مأساوي بين عدد من الضباط الإنجليز والفلاحين المصريين، مما أسفر عن مقتل العديد من المواطنين، بينهم امرأة. يستحضر شوقي الأيتام والأرامل التي تُركت في أعقاب تلك الحادثة، ويسأل عن مصيرهم وكيف تُعاني الحياة بهم بعد كل هذا الألم.
- عشرةٌ بُيوتٍ أَقفَرَت وَاِنتابَها
بعد البشاشةِ باتَت وحشةٌ وظلامُ
يا ليتَ شِعري في البروج حَمائِمٌ
أَم في البروج مَنَيَّةٌ وَحِمامُ
لو كان نيرون قد أدرك عهْدَ كَرومرٍ
لَعَرَفَ كيف تُنفَّذُ الأحكامُ
نوحي حَمائِمَ دنشوايَ وَرَوِّعي
شَعباً في وادي النيلِ لا يَنامُ
يبكي شوقي في كلماته على الرجال الذين تركت وفاتهم فراغاً في البيوت، فصارت الحياة كئيبةً وموحشة بعد أن كانت مليئةً بالبهجة. وكأن فترة الحكم في دنشواي كانت أكثر قسوةً من حكم الإمبراطور نيرون، وكأن الحمام يعزف دموعه حزيناً على دنشواي بعد الحوادث المأساوية.
- إِن نامَتِ الأحياءُ حالَت بَينَهُ
سَحراً وبين فِراشِهِ الأحلامُ
مُتَوَجِّعٌ يَتَذكَّرُ اليوم الذي
ضَجَّت لِشِدَّةِ هَولِهِ الأَقدامُ
السَوطُ يُمارسُ أعمالَهُ والمَشانِقُ أَرْبَعٌ
مُتَوَحداتٌ والجُنودُ قِيامُ
والمُستشارُ إلى الفظائعِ ينظرُ
تَدمى الجلدُ حوله وعِظامُ
في كلِّ ناحيةٍ وكلِّ محلَّةٍ
حَزعاً من المَلَأِ الأَسيَفِ زِحامُ
وعلى وجوه الثاكِلينَ كآبةٌ
وعلى وجوه الثاكِلاتِ رُغامُ
يُصوّر أحمد شوقي في قصيدته تلك الآلام ويوم الإعدام الذي طاله المصريون جراء تصادمهم مع المحتل، حيث كل شيء ساكن وصامت، يحيط به الموت دون رحمة، وحتى المستشار يقف بلا حراك ليشرف على مشهد الموت الحزين بينما يعتري الخوف الجميع من هول تلك المأساة.
التحليل الفني لقصيدة دنشواي لأحمد شوقي
أحمد شوقي، الذي عُرف بلقب أمير الشعراء، يرسم في قصيدته شجاعة وإبداع يُظهران براعته في الشعر والأدب. استخدم مجموعة متنوعة من الصور الفنية والمحسنات البديعية التي أسهمت في تجسيد المعاني التي يسعى لتحقيقها الشاعر. ومن بين تلك الرؤى:
- يا دِنشِوايَ عَلى رُباكِ سَلامُ
هنا استعارة مكنية، حيث يعامل دنشواي كإنسانٍ يمكن مخاطبته، حيث حُذِف المشبه به مع الإبقاء على بعض لوازمه.
- ذَهَبَت بِأُنسِ رُبوعِكِ الأَيّامُ
استعارة مكنية، حيث يُعتبر الأيام مثل إنسان يحضر أو يغيب، حيث مُحيت بعض المعاني الأساسية.
- عشرةٌ بيوتٍ أَقفَرَت وَاِنتابَها
بعد البشاشةِ باتَت وحشةٌ وظلامُ
استعارة مكنية، حيث يتم تصوير البيوت كإنسان يُعاني من الفرح أو الخوف، حيث غابت بعض المعالم الإنسانية.
- نوحي حَمائِمَ دِنشِوايَ وَرَوِّعي
شَعباً في وادي النيلِ لا يَنامُ
استعارة مكنية، حيث يُصوّر الحمائم ككائنات تتألم وتنوح بعد فقدان شخص تُحبه، مع الإبقاء على معناها الأساسي.
كما استخدم الشاعر السجع في قصيدته في قوله:
يا دِنشِوايَ عَلى رُباكِ سَلامُ
ذَهَبَت بِأُنسِ رُبوعِكِ الأَيّامُ
التحليل الإيقاعي لقصيدة دنشواي لأحمد شوقي
تمت كتابة قصيدة دنشواي على البحر الكامل الذي يتضمن تفعيلته: “متفاعلن متفاعلن متفاعلن.” يُعتبر هذا البحر مثالياً لغرض القصيدة الذي أراده شوقي، وهو التعبير عن الحزن والنواح، حيث يُساهم تكرار الحركات والسكنات في كل تفعيلة في إنشاء الإيقاع الحزين المطلوب.
كما كرر الشاعر استعمال حرف السين، وهو حرف همسي، في العديد من الكلمات مثل: “سلام، أنس”، حيث يسهم هذا الصوت في التفريغ العاطفي للحزن الذي يعاني منه الشاعر.
حرف الميم هو الحرف السائد في القصيدة، حيث استخدمه الشاعر كقافية وكرره في السياقات المختلفة، مما ساعد على جذب انتباه المتلقي، كما أن حرف الميم يعكس الألم والحزن الذي يُسيطر على نفس الشاعر بسبب تلك الحادثة الأليمة.