التحليل الموضوعي لرواية “أن تبقى”
تتناول رواية “أن تبقى” للكاتبة خولة حمدي ظاهرة هجرة الشباب العربي نحو القارة الأوروبية، وتتبع القصة حياة شاب يُدعى خليل، الذي يحمل الجنسية الفرنسية رغم أصوله الجزائرية. يستند خليل إلى مجموعة من الوثائق التي كتبها والده، تحكي عن معاناته للوصول إلى فرنسا، رافضًا الموت في سبيل توفير حياة أفضل لأبنائه.
تتناول الرواية الصراعات التي يواجهها العرب للهروب من الموت إلى ظواهر العنصرية، حيث يُعامل الغرب العربي بشكل ينم عن الخوف والريبة. يصف الكاتب تجربة والده مع العنصرية التي واجهها في فرنسا، ويُشير إلى شعوره بالحنين لوطنه الذي يظل في قلبه. ففي كل مرة ينظر فيها إلى الأراضي الفرنسية، يدرك أنها لا تمثله ولا تعبر عن هويته. وبينما يحمل الأمل في منح أبنائه حياة خالية من مشقة الفقر أو اعتقال الظلم، تظهر له حقيقة مؤلمة: كلما توفر المال هناك، تقلصت كرامته.
تسلط خولة ضوءًا على موضوع الهجرة غير الشرعية وتأثيراتها على المجتمعات العربية، وتتساءل عن مصير تلك المجتمعات وكيف سيتم الدمج بين الثقافة العربية والأوروبية التي تختلف بشكل جذري. تنتهي الرواية بنهاية مفتوحة، مما يُتيح للقارئ فرصة التفكير والتأمل في مستقبل الشخصيات وأفكارها.
الأسلوبية في رواية “أن تبقى”
تُظهر خولة حمدي براعتها الأدبية في أسلوبها، حيث تستطيع بمهارة تصوير صراع الهوية بين الذات والآخر. يتمثل الذات في الإنسان العربي الذي يغامر بحياته للعبور نحو الآخر، الذي لن يستقبله سوى بنظرات ازدراء.
تُجسد الرواية لحظة خوف المهاجر وهو يرمي بنفسه في قارب الموت، مع مشاهد تساقط الآخرين في البحر أمام عينيه. هذه الصورة تجسد ببراعة مشاعر القلق والانكسار التي يعيشها المهاجر، فتنجح خولة في نقل شدة هذه اللحظة للقراء.
تعبر خولة أيضًا عن معاناة اللاجئ في الدول الغنية، مسلطة الضوء على التحولات التي قد يعيشها شاب ثلاثيني يضطر إلى الانزلاق في عالم الجريمة للحصول على لقمة العيش بعد أن تعرض للتجاهل من قبل الآخر. لقد استخدمت خولة قاموسًا مليئًا بالحزن والمعاناة، معبرة عن معاناة المهاجر الذي فقد هويته وأرضه.
الاستعارة والصور الفنية في رواية “أن تبقى”
تتضمن رواية “أن تبقى” العديد من الصور الفنية التي تعزز من جمالية النص وعمق الفكر. على سبيل المثال، تجسد الكاتبة حالة الفقد والانتماء حين تقول: “أن تكون عاريًا من الهوية حافيًا من الانتماء، فذلك أقسى أشكال الفقر”، مما يشير إلى أهمية الهوية في حياة الأفراد. من أُحرق هويته، كما فعل والد خليل، فإن حياته تصبح أكثر عوزًا من حياة الفقراء.
تستعرض الكاتبة حقيقة الحياة وتجارب البشر عبر الصورة التالية: “بعض الأطفال ينضجون قبل الأوان، تمرسهم الخطوب وتُكسوهم التجارب رداء الوقار”، حيث تؤكد أن الحكمة تأتي من التجربة وليس من التقدم في العمر. ومن المثير أن يصل الإنسان إلى نهاية حياته دون خبرة حقيقية، وهو ما استطاعت خولة تصويره ببراعة.
الحوار والسرد في رواية “أن تبقى”
تمكنت خولة من استخدام الحوار بفعالية لتسليط الضوء على الأحداث. يظهر ذلك في الحوار المؤثر بين الابن ووالده، حين يسأله: “هل تدري كيف يكون إحساس ورقة الشجر في مهب الريح؟”، ويوضح كيف أن الضياع قد يكون تجربة مؤلمة تسعى الأمّ إلى تجنبها من خلال توفير حياة أفضل لأبنائها.
تسجل خولة معاناة الوالد الذي عاش لحظات الضياع من أجل أن يتحقق حلم حياة كريمة لابنه، مما يبرز معاناتهم بشكل مؤثر ودقيق.
أهم الآراء النقدية حول رواية “أن تبقى”
أثارت رواية “أن تبقى” للكاتبة خولة حمدي العديد من الآراء النقدية، ومن أبرزها:
- نادية قوجبل: “إن حالة الجوع التي يعيشها نادر جعلته عرضة للإيقاع بين براثن العصابات، حيث إن الجوع هو عدو الروح وقاتل الآمال”.
- لكحل عبد النور: “تكرر ظهور البيت في رواية “أن تبقى” في الكثير من المشاهد السردية، مع تغير دلالاته بين شخصيات الرواية التي ترى فيه أكثر الأماكن ارتباطًا بالهوية”.
تختزل رواية “أن تبقى” معاناة الشعوب العربية بين الوطن والمغترب، حيث يجد العربي نفسه محاصرًا فلا مكان له في العالم. ومع ذلك، فإن الأمل يبقى موجودًا، ويجب على الجميع البحث عن تلك النافذة من النور في حياتهم.