تعريف علم النفس
يعتبر علم النفس العام من العلوم التي تركز على دراسة النفس البشرية والسلوكيات المتعلقة بها، بالإضافة إلى فهم تأثير العوامل البيئية الخارجية والداخلية على الفرد. يهدف هذا العلم إلى معرفة مشاعر وتجارب الأفراد بمختلف أبعادها، بما في ذلك الاضطرابات العضوية والبيولوجية مثل اضطرابات الجهاز التنفسي وارتفاع ضغط الدم.
يستند علم النفس العام إلى أسلوب تحليلي علمي لدراسة التغيرات التي قد تطرأ على الفرد، وكيفية اختلاف إدراكه وتفاعلاته عندما يشعر أو يفكر أو يبدع. كما يتناول أيضًا ما وراء السلوك الإنساني، خاصة في سياقات الاضطرابات النفسية أو الأمراض العقلية. يتفرع علم النفس إلى مجالات متعددة، مثل علم النفس الصناعي، وعلم النفس الاجتماعي، وعلم النفس التربوي، وعلم النفس الحربي، وغيرها من الفروع التي تتطور باستمرار.
تاريخ علم النفس
يُصنف علم النفس كواحد من أقدم العلوم، حيث يمكن تتبع جذوره إلى عصر الفلاسفة قبل الميلاد. في بداياته، كان يعتبر فرعًا من الفلسفة، إلا أن العلماء في مراحل متقدمة من الدراسات النفسية اتبعوا منهجًا علميًا تجريبيًا يستند إلى ملاحظة السلوكيات الظاهرة. ومن أبرز آراء الفلاسفة القدماء يمكن أن نذكر:
الفكر النفسي في الفلسفة اليونانية
كان الفلاسفة في هذه المرحلة مهتمين بدراسة السلوك الإنساني وفهم مكانة الإنسان في الحياة. اشتهر الفيلسوف طاليس بمقولته “اعرف نفسك”، حيث سعى لتفهم وجود الإنسان وبدايته ونهايته. وقد اعتبر أن الإنسان يتكون من الجسم المادي والنفس. من جهة أخرى، طرح فيثاغورس على مبادئ دينية تتعلق بتناسخ الأرواح، بينما قام سقراط بتطوير آراء طاليس، حيث اعتبر أن الروح هي جزء من الروح الإلهية، مما يمنحها القدرة على السيطرة على الجسد.
الفكر الصحي في مدرسة الإسكندرية وغالينوس
في القرن الثالث قبل الميلاد، شهدت الدراسات التجريبية تطورًا في مجالات الطب والفيزيولوجيا، حيث وضعت هذه الأبحاث فرضيات حول النفس البشرية وعلاقتها مع النشاطات والتفاعلات الخارجية. وقد أكد مجموعة من الأطباء في الإسكندرية على أهمية العلاقة بين عمليات التفكير والإدراك والتشريح العصبي، بينما في القرن الثاني قبل الميلاد، رأى طبيب روماني أن هناك رابطًا قويًا بين الجانب النفسي والتكوين الجسدي للإنسان.
الفكر السيكولوجي في الفلسفة العربية والإسلامية
برز العديد من العلماء والفلاسفة المسلمين في إطار الحضارة العربية والإسلامية، وكان لهم دور أساسي في حفظ التراث الفكري وترجمته. يُعتبر الكندي واحدًا من أبرز الفلاسفة الذين تناولوا النفس البشرية، حيث تأثر بآراء أفلاطون وأرسطو. اعتبر الكندي أن النفس هي جزء من الروح الإلهية التي تسكن جسم الإنسان. من ناحية أخرى، اهتم ابن سينا بتحليل العلاقة بين الظواهر النفسية والبيئة، ورأى أن النفس تبقى خالدة بعد موت الجسد. كما طرح ابن خلدون أهمية العوامل البيئية في التطور النفسي، معتمدًا على أساليب علمية في الدراسات النفسية.
الفكر السيكولوجي في الفلسفة الأوروبية خلال عصر النهضة
مع بداية القرن السابع عشر، ومع ظهور عصر النهضة في أوروبا، زادت الدراسات والبحوث التي تركز على النفس بشكل خاص. كان الفيلسوف الفرنسي ديكارت من الأوائل الذين دعوا إلى دراسة السلوك النفسي، حيث قارن سلوك الكائنات الحية بعمل الآلات. وفي هذا السياق، تناول الفيلسوف جون لوك فكرة أن الطفل يولد “بصفحة بيضاء”، حيث تتشكل تجربته ومعرفته عبر المجتمع. كما قسّم مصادر الخبرات البشرية إلى خبرات داخلية وخارجية.
استقلال الدراسات النفسية
ظهر علم النفس كعلم مستقل عن الفلسفة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر على يد العالم الألماني فونت، الذي أسس أول مختبر للدراسات النفسية. بذلك، أُخذ علم النفس شكلاً تنظيمياً من حيث تحديد مواضيعه وفروعه وأساليب البحث المعتمدة، بالإضافة إلى علاقته بالعلوم الأخرى.