التحليل الموضوعي لرواية الطنطورية
تعتبر رواية الطنطورية إحدى أعظم الروايات العربية، كتبها الأديبة الراحلة رضوى عاشور في عام 2010. وهي زوجة الشاعر الفلسطيني مريد البرغوثي، ووالدة الشاعر تميم البرغوثي. تعكس الرواية معاناة الشعب الفلسطيني وإرادته في الحياة.
تبدأ أحداث الرواية في قرية الطنطورة الفلسطينية، التي تقع على ساحل حيفا، وكانت موجودة بالفعل عام 1947، لكنها اليوم لم تعد موجودة بسبب الاحتلال الذي أدى إلى طمسها. صدرت الرواية لأول مرة في عام 2010، وتضم في بدايتها خريطة لفلسطين تسلط الضوء على أهم المدن التي تدور فيها معظم الأحداث.
تروي القصة من وجهة نظر رقية الطنطورية، وهي فتاة تبلغ من العمر ثلاثة عشر عامًا، حيث تغطي الأحداث من عام 1948 وحتى عام 2000. تشمل الرواية أحداث النكبة، والنكسة، ووقائع مخيم صبرا وشاتيلا، والاجتياح اللبناني، بالإضافة إلى تحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي. يتمحور السرد حول المجزرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال في قرية الطنطورة، حيث استشهد والد رقية واثنان من إخوانها، بالإضافة إلى مئات من رجال القرية. بعد المجزرة، انتقل معظم سكان القرية إلى المدن المجاورة، مما أطلق بداية رحلة الشتات لعائلة رقية، التي بدأت في الخليل ثم انتقلت إلى عمان، فصيدا، ثم بيروت، فطرابلس، وبيروت، وأخيرًا أبوظبي والإسكندرية، وصولًا إلى اللقاء في الجنوب اللبناني المحرر عند بوابة فاطمة.
التحليل الأسلوبي لرواية الطنطورية
تتميز أسلوب كتابة رضوى عاشور بالسهولة المتقنة، حيث يلاحظ القارئ بساطة في الحوار وفي أسلوب التقديم. وعلى الرغم من هذه البساطة وقربها من الناس، يعتقد البعض أنها تستخدم لهجة عامية، إلا أن التعمق في اللغة يظهر أنها فصحى سليمة. لذا، لا يمكن أن يختلف القراء في تميّز أسلوبها عن سائر الأعمال الأدبية.
تدخل رضوى عاشور في روايتها شخصيات عربية بارزة من تلك الفترة، مثل ناجي العلي وغسان كنفاني. تجمع بين الأحداث التاريخية الحقيقية والخيال بسرد بسيط ومتدفق، مما يجعل القارئ يشعر وكأنه يعيش في قلب البيت الفلسطيني، مستمتعًا بالمواويل والأهازيج الفلسطينية وذكريات الطعام الفلسطيني.
الاستعارة والصور الفنية في رواية الطنطورية
استطاعت الكاتبة تجسيد الأماكن والمشاعر والأحداث والتغيرات التي طرأت على الفلسطينيين بدقة عالية باستخدام الرمزية. ومن الأمثلة على ذلك:
- تصوير طيف الحبيب يحيى قادمًا من البحر، حيث يشير البحر إلى الموت ولكنه أيضًا رمز للحياة.
- وفي المشهد الأخير، يظهر لقاء الابن مع الأم والحفيد، حيث كانت رقية تبلغ 77 عامًا، وتقدم إلى ابنها عقدًا يحمل مفتاح بيتها في قرية الطنطورة، رمزًا لأملها في العودة إلى بيتهم.
الحوار والسرد في رواية الطنطورية
يرتكز السرد في الرواية على تجربة رقية، البطلة، بدءًا من طفولتها حتى نضوجها. تمكّنت الكاتبة من تجسيد لغة الفلسطينيين وكيفية حديثهم ولهجاتهم من خلال حوارات شخصيات الرواية، كما استخدمت الكثير من الكلمات باللهجة الفلسطينية، إلى جانب الأهازيج والدبكات الشعبية.
ركزت الرواية على الجانب الاجتماعي في القرية، موضحةً كيف كانت تعيش الأسر معًا، وخاصة عائلة رقية. وقد ساهمت هذه العناصر في بناء أجواء واقعية وجذابة تشد القارئ إلى تجربة الطنطورة.
آراء نقدية حول رواية الطنطورية
تعددت الآراء النقدية حول رواية الطنطورية، ومن أبرز هذه الآراء:
- الشاعر والإعلامي الفلسطيني أحمد الزكارنة
“استطاعت رضوى عاشور في روايتها أن تنتصر للذاكرة الفلسطينية، كونها تمثل ذاكرة إنسانية أخلاقية. كما حققت انتصارًا كبيرًا للمرأة الفلسطينية، التي كانت وما زالت شريكًا أصيلًا في النضال الوطني، من خلال مساهمتها الفكرية والاجتماعية عبر السنوات.”
- المحامي حسن عبادي
“استخدمت رضوى عاشور لغة بسيطة وقوية، بأسلوب سهل، لتوصل الفكرة بشكل شاعري. على الرغم من أنه ليس رواية تاريخية بالمفهوم العلمي، إلا أن معرفتها بالتاريخ والجغرافيا أسهما في غنى النص.”
- الناقدة منة الله شلبي
“عندما تكتب رضوى عاشور، تنسج خيوط الإبداع وتقدم للقارئ مزيجًا متوازنًا من التاريخ والمشاعر، مما يجعل كل ما كُتب في الأدب والتاريخ يبدو ضئيلًا مقارنة بما تقدّمه.”
اقتباسات من رواية الطنطورية
فيما يلي مجموعة من أبرز الاقتباسات من الرواية:
- “تناسيت حتى بدا أني نسيت”
- “أمسى البكاء مبتذلاً، ربما لأن الدموع صارت تستحي من نفسها، لا مجال”
- “وأنا أقرأ لك أتخيلك وأنت تكتب، أرى وجهك، جلستك، حركة يديك، مكتبك… فأشتاق أكثر!”
- “فيتأكد لي مع كل صباح أن في هذه الحياة رغم كل شيء، ما يستحق الحياة”
- “الأرواح تتآلف أو تتنافر هكذا لأسباب لا أحد منا يعلمها”
- “ركضنا طلبًا للحياة ونحن نتمنى الموت”
- “تعودت، لا أحد يستعصي على ترويض الزمان!”
- “ذاكرة الفقد كلاب مسعورة تنهش بلا رحمة لو أُطلقت من عقالها”
- “ليس هكذا الانتظار، فهو ملازم للحياة لا بديل لها.”
- “كيف احتملنا وعشنا وانزلقت شربة الماء من الحلق دون أن نشرق بها ونختنق؟”
تمثل رواية الطنطورية موضوعات النكبة واللجوء والشتات والغربة، بلغة شعبيّة سلسة وجميلة، حيث تُعبر باللهجة الفلسطينية، واستخدامها للأمثال الشعبية يعزز إيصال الأفكار بلغة شاعرية وأسلوب سردي بعيد عن التعقيد.
تجعلك رقية تشعر بأنها قريبة منك، وتجسد معاناة المرأة الفلسطينية المتمسكة بالأمل رغم ضياعها، فكان من الرائع أن تكتب امرأة عن معاناة المرأة.