نعم الله لا تُحصى
أنعم الله -تعالى- على البشرية بنعم جليلة لا يُمكن عدها أو إحصائها. فقد سخر الله -سبحانه وتعالى- الكون بأسره لخدمة الإنسان، ووفّر له جميع الوسائل اللازمة لتحقيق أهدافه في الحياة. يقول الله تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ). كما فرض الله -عزّ وجلّ- على الإنسان عبادة الله، وأنزل له الشريعة لتنظيم حياته، وجعل سبل العبادة ميسرة له، رحمةً به وإشفاقًا عليه. فقد وضع أمامه طرق الخير، وأرسل الأنبياء ليدلّوه على الطريق المستقيم، زاداً على ذلك هو أن الله -سبحانه- جعل أبواب الحصول على الحسنات أكثر بكثير من المعاصي، وفطرته سليمة تحب الخير وتبحث عن خالقها وكيفية عبادته.
لذا، فإنه من الواجب على الإنسان أن يشكر الله -تعالى- على الدوام، وأن يدرك أنه مهما حاول شكر الله على نعمه، فإن كرمه أعظم من أي شكر قد يؤدّيه. يقول الله تعالى: (وَآتاكُم مِن كُلِّ ما سَأَلتُموهُ وَإِن تَعُدّوا نِعمَتَ اللَّهِ لا تُحصوها إِنَّ الإِنسانَ لَظَلومٌ كَفّارٌ)، ولكن أقل ما يمكن أن يقوم به الإنسان تجاه تلك النعم هو أن يتعلم كيفية شكر ربه -عزّ وجلّ- على فضله، وتفادي كفران نعمته.
كيفية شكر النعم
الشكر في اللغة يعني الثناء والحمد، وشكر الله -تعالى- هو التذكير بنعمه والثناء عليه. يعدّ الشكر مقابل الإحسان بالإحسان، وبالتالي فإن أعظم من يستحق الشكر على النعم هو الله سبحانه، حيث لا فضل لأحد على أحد كما هو فضل الله على عباده. ويتطلب شكر العبد لنعم ربه تحقيق ثلاثة أركان وهي: شكر القلب، شكر اللسان، وشكر الجوارح، وتظهر هذه الأركان فيما يلي:
- شكر القلب: وهو أن يشعر القلب بمدى النعم التي أنعم الله -تعالى- بها، ويؤمن يقيناً بأنها منه وحده، فلا يُنسب الفضل إلى أحد سواه، سواء أكان إنسانًا أو نفسه. فإذا شعر في قلبه بشيء من الفضل لأحد باستثناء الله -تعالى- بسبب نعمة ما، فعليه التوبة وإرجاع قلبه إلى خالقه.
- شكر اللسان: يتمثل في تكرار الحمد والثناء على الله بعد إقرار القلب بذلك. يجب على الإنسان أن يتحدث عن نعم الله -تعالى- ولا ينكرها، كما قال الله سبحانه: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ). وقد ذكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن رضا الله مرتبط بحمده بعد تناول الطعام والشراب، مما يدل على أن الشكر، مهما كان بسيطاً، هو سبب لنيل رضا الله -عز وجل-.
- شكر الجوارح: وهو استخدام الإنسان لجوارحه في طاعة الله واستغلال النعم للإعانة على طاعة الله ومساعدة الآخرين، والامتناع عن المعاصي.
الصواب في صور الشكر السابقة أن يعترف المسلم بفضل الله -تعالى- عليه، ثم يصدّق ما في قلبه بحديث لسانه، ويتناول الطاعات، وينتهي عن المنكرات. بذلك، يكون قد أتمّ شكر نعم الله -سبحانه- كما يُرضيه.
الشكر من صفات الله والأنبياء
وصف الله -تعالى- نفسه بأنه الشكور، فإن الله لا يُضيع أجر من أنعم عليه، بل إنه يشكر القليل من العمل الصالح، ويسامح الكثير من الزلات. ومن مظاهر شكره للمسلمين أنه يُجازي أعمالهم، حتى إن كانت قليلة، بأجور جليلة في الدنيا والأخرة. وقد تمسكت الأنبياء -عليهم السلام- بهذه الصفة، كما ذكر الله تعالى عن نوح -عليه السلام-: (إِنَّهُ كانَ عَبدًا شَكورًا). وفي حق إبراهيم -عليه السلام- قال: (إِنَّ إِبراهيمَ كانَ أُمَّةً قانِتًا لِلَّهِ حَنيفًا وَلَم يَكُ مِنَ المُشرِكينَ شاكِرًا لِأَنعُمِهِ). وقد صلى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قيام الليل حتى تفطّرت قدماه شكراً لله -سبحانه- على نعمه.
فضل الشاكرين
إذا التزم العبد بأوامر ربه، وكان شاكراً له، فإن الله يرفع قدره ويمنحه الأجر العظيم في الدنيا والآخرة. ومن فوائد الشكر التي ينالها العبد الشكور:
- يعتبر العبد الشكور من المؤمنين، كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (عجباً لأمرِ المؤمنِ، إن أمرَه كلَّه خير، وليس ذاك لأحدٍ إلّا للمؤمنِ، إن أصابته سراءُ شكرَ، فكان خيراً له).
- يصل العبد الشكور من خلال شكره إلى رضا الله -عز وجل-، حيث قال الله تعالى: (وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ).
- يؤمن العبد الشكور من عذاب الله -تعالى- بإذنه، كما قال: (مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ).
- يستمتع العبد الشكور بزيادة الرزق والنعم، فالشكر يكون سببًا لزيادة النعم، كما قال الله تعالى: (لَئِن شَكَرتُم لَأَزيدَنَّكُم).
- يُنعم الله -عز وجل- على العبد الشكور بالأجر العظيم في الآخرة، حيث قال: (وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ).