مقدمة عن سورة البقرة
توافق العلماء في التفسير على أن سورة البقرة هي سورة مدنية، وهي من أوائل السور التي نزلت في المدينة المنورة. وقد نزلت على النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- في منطقة وادي العقبة. وفقًا لما رواه ابن مسعود -رضي الله عنه- بعد رميه لجمار العقبة حيث قال: “هذا والله مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة”. وأيضًا، ورد في كتاب “الناسخ والمنسوخ” لأبي داود عن عكرمة قوله: “إنها أول سورة نزلت في المدينة”.
تجدر الإشارة إلى أن السورة نزلت على مراحل متعددة، حيث أن الآية رقم 281 منها كانت آخر آية نزلت، وهي قوله تعالى: (واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون)، وقد نزلت في حجة الوداع في يوم النحر في منى. كما أن آيات الربا الواردة فيها تُعتبر من آخر ما أنزل من القرآن الكريم، وتحتوي السورة على 286 آية.
سبب التسمية بسورة البقرة
تُعرف السور عادةً بأسماء فريدة تميزها، وسورة البقرة تُسمى بهذا الاسم لورود قصة البقرة فيها. تعود هذه التسمية إلى حادثة وقعت في بني إسرائيل على عهد النبي موسى -عليه السلام-، حيث قام بعضهم بعبادة بقرة من دون الله. وقد وقعت جريمة قتل، واختلفوا حول القاتل، فاستعانوا بموسى -عليه السلام- ليحكم بينهم. أمره الله تعالى بذبح بقرة وضرب القتيل ببعض أعضائها لكي يُخبرهم من هو القاتل، وقد عرضوا عليه أسئلة عديدة حول صفات البقرة، فأُجوبتهم صدمتهم واهتدوا في النهاية لتحقيق أمر الله تعالى.
تتمتع سورة البقرة بلقب آخر وهو “الفسطاط” أو “فسطاط القرآن” بسبب مكانتها العالية وفضلها، حيث تحتوي على العديد من الأحكام والمواعظ. وقد ورد عن أبي بكر العربي قوله: “في سورة البقرة ألف أمر، وألف نهي، وألف حكم، وألف خبر”. وكانت مدة تعلم عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لهذه السورة اثنتي عشرة سنة، وتداولت الأحاديث تسميتها بـ “الزهراء” و”سنام القرآن”.
موضوعات سورة البقرة
تناولت سورة البقرة مجموعة واسعة من الأحكام والموضوعات، منها:
- توضيح شرف القرآن وأهمية الإيمان به، وبيان أن الله تعالى هو خالق كل شيء ومسخر الأرض للناس، مما يوجب عليهم عبادة الله وترك عبادة الأصنام.
- تأكيد موقع الحجة النبوية التي تثبت نبوة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- ورسالة النبوة، وإظهار عجز المشركين عن الإتيان بمثل القرآن.
- تناول بعض الأحكام الفرعية، وعرض أحوال اليهود والنصارى مقارنة بالمؤمنين، وتنظيم شؤون الدولة الإسلامية.
- إشارة إلى خلق البعوضة كأحد آيات الله العظيمة.
- مناقشة خلق الإنسان وأمر الملائكة بالسجود له، ورفض إبليس لهذا الأمر مما أدى إلى غضب الله عليه وطرده.
- اختبار الله تعالى لآدم وزوجته بعدم الأكل من الشجرة، ووسوسة الشيطان لهما مما أشار إلى العداوة المستمرة بين الخير والشر.
- ذكر كيف كذب بنو إسرائيل الرسل رغم ما آتاهم الله من علامات ومعجزات، مثل حادثة موسى وعصاه.
- توفير الأسس المتعلقة بالعقيدة والتوحيد، مع ذكر الأدلة الدالة عليها.
- تناول تاريخ اليهود وعرض نقاشات حول عقائدهم وتذكيرهم بنعم الله تعالى عليهم.
- توفير بعض التشريعات الإسلامية التي تميز المسلمين في عباداتهم ومعاملاتهم، مثل أحكام القصاص والصيام والاعتكاف والمعاملات المالية وغيرها.
- التأكيد على صفات المتقين والكافرين والمنافقين، وبيان حال المنافقين.
فضل سورة البقرة
توجد العديد من الأدلة التي تشيد بفضل سورة البقرة، منها:
- تعتبر البقرة سنام القرآن وذروته، وقد أكد النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الشيطان يفر من البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة؛ لأن آية الكرسي، وهي أعظم آية في القرآن، توجد فيها.
- تقديم النبي -عليه الصلاة والسلام- لحافظها في المناصب العليا، وقرب الملائكة من قارئها، كما حدث مع الصحابي أسيد بن حضير -رضي الله عنه- عندما قرأ السورة.
- من آل فضلها أن قراءتها تجلب البركة في الدنيا والشرف في الآخرة، حيث قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: “اقرؤوا سورة البقرة؛ فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البُطَلَة”.
- إذا قُرئت مع سورة آل عمران، فإنهما تأتيان يوم القيامة للدفاع عن المؤمن، حيث ذكر النبي -عليه الصلاة والسلام- أن سورة البقرة وآل عمران ستكونان لكما غمامتين تحاجان عن صاحبهما.
- قراءة آخر آيتين من السورة في كل ليلة تكفي مؤديها وتحفظه بإذن الله، وذلك كما ورد عن النبي -عليه الصلاة والسلام-.
- تضمين السورة لآخر الآيات نزولًا على النبي -عليه الصلاة والسلام-.
مقاصد سورة البقرة
تتعدد مقاصد سورة البقرة، ومنها:
- مدح المؤمنين من أهل الكتاب وذم كفار مكة والمنافقين في المدينة، مع الرد على النصارى.
- مناقشة بدء الخلق وتعليم الله لآدم -عليه السلام- الأسماء، مع ذكر قصة موسى واستسقائه ومواعيده الربانية.
- إيراد قصة البقرة وقصة سليمان وهاروت وماروت والسحرة، مع ذكر ابتلاء الله للنبي إبراهيم وبناء الكعبة.
- تناول قضية تحويل القبلة وبيان فضل الصبر على المصائب.
- التركيز على أهمية التوحيد وحجج ذلك، مع ذكر أحكام الصيام والقصاص ومقاتلة الكافرين.
- الإشارة إلى الأمور المرتبطة بالعدة والصدقات والحقوق المالية.
- مناقشة مناظرة إبراهيم مع النمرود وإحياء الموتى.