تفسير الآية المتعلقة بالذين يكذبون بآيات الله وكيفية استدراجهم من غير أن يشعروا

تفسير الآية (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّن حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ)

تظهر هذه الآية الكريمة في سورة الأعراف، حيث تبرز الفروقات بين الفئتين؛ المهتدين والذين يكذبون. بعد أن ذكر الله سبحانه وتعالى في الآية السابقة حالة الأمة الصادقة والعادلة التي تلتزم بالحق، تحدث بعد ذلك عن المكذبين، فقال عز وجل: (وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ* وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّن حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ). وقد تناولت الآيات التي تليها أهمية التفكير في خلق السماوات والأرض بهدف الوصول إلى وحدانية الله تعالى وصدق نبوّة الرسول صلى الله عليه وسلم، وضرورة الابتعاد عن التكذيب والإنكار.

معاني الألفاظ في الآية

  • الذين كذبوا بآياتنا: تشير هذه العبارة إلى جميع المكذبين بآيات الله، سواء كانت آيات تنزيلية أو كونية، التي تدل على وحدانيته. وهم الذين أنكروا ورفضوا هذه الآيات، فمن الأصح اعتبارها قاعدة عامة تشمل جميع المكذبين، رغم أن بعض المفسرين يرون أن الإشارة هنا تتوجه إلى كفار مكة.
  • سنستدرجهم: يشير الاستدراج إلى إنزال شيء من درجة إلى أخرى، أي التحرك من مرتبة لأخرى. في هذا السياق، يعني أننا سوف نأخذهم تدريجياً، حيث نقربهم من عذابهم وندنيهم من الهلاك شيئاً فشيئاً، دون أن يشعروا بذلك.

المعنى العام للآية

إن الذين يكذبون بآيات الله سبحانه وتعالى التي تشهد على وحدانيته وبالآيات التي تؤكد صدق نبوّة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ويرفضون الاعتراف بها؛ سيكون مصيرهم الاقتراب من الهلاك وزيادة عذابهم. سيتم إنزالهم درجة درجة إلى الهاوية، وقد يسيرون نحو ذلك دون إدراك منهم، حتى يفاجؤهم العذاب من مكان لم يتوقعوه كما جاء في قوله تعالى: (فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا).

يتجلى الاستدراج من خلال فتح أبواب الرزق وتحقيق سبل العيش لهم في الدنيا، مما يؤدي إلى تغافلهم عن شكر هذه النعم. ومع تزايد النعم، ينغمسون في الضلال، ويغترون بما هم فيه، مما يؤدي إلى ارتكاب المعاصي. يصبح الأمر وكأن كل نعمة تُمنح لهم تُعد دليلاً على رضا الله ومحبة منه، لكن الحقيقة هي أن ذلك يمثل تخاذلاً لهم وابتعاداً عن الحق.

حتى يأتي وقت يتفشّى فيه الفساد ويمضون في معاصيهم دون شعور بنعم الله، فيلتقون عقاب الله فجأة وبشكل قوي، مما يزيد من عذابهم ويضرّهم بأنفسهم دون أن يدركوا ذلك. تأتي الآيات التي تليها لتؤكد على هذه الحقيقة، حيث ورد في قوله تعالى: (وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ)؛ فالله سبحانه يمهلهم لفترة، ولكنه حين يأخذهم، سيكون عقابه شديداً. كما ورد في قوله: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ).

إن هذا المضمون يدل على رحمة الله، فليس الله سبحانه وتعالى يأخذ المكذبين لمجرد تكذيبهم مرة واحدة، بل يمنحهم الفرصة للتوبة، ويمتحنهم بالآيات والمعجزات، حتى إذا استمروا في المعاصي ونسوا شكر الله، فإنه يأخذهم فجأة من حيث لا يشعرون.

Scroll to Top