مفهوم الطهارة وأنواعها
تُعرّف الطّهارة في اللغة على أنها التنزّه عن الأقذار بجميع أنواعها، سواء كانت حسية أو معنوية. ويستنبط من كلمة الطهارة الفعل “طهَر الشيء”، مما يعني النقاء وزوال الدنَس. كما يُقال: “طهُرت المرأة”، وهو عكس حالة الحيض.
أما في الاصطلاح، فتعني الطهارة رفع الحدث وإزالة النجاسة والخَبَث باستخدام الماء أو التراب الطاهرين. ويتميز الطهور بأنه ما يُستخدم للتطهّر، بينما الطّهارة تشير إلى العملية ذاتها. تشمل الطهارة القلب والجسد معاً، حيث تتطلب طهارة القلب الابتعاد عن الذنوب والانخراط في الأعمال الصالحة، بينما تهدف طهارة الجسد إلى غسل أعضاء معينة بشكل محدد.
- تقسم الطهارة إلى نوعين وفقاً لمكانها:
- النوع الأول: الطهارة الباطنة أو المعنوية.
وهي تتعلق بالطهارة من الشرك، المعصية، والكِبَر، من خلال التوحيد، الطاعة، الإخلاص، اليقين، والتوبة.
- النوع الثاني: الطهارة الحسية.
وهي الطهارة التي تتعلق بالحدث أو النجاسة، وتعتبر نصف الإيمان وفقاً لقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: “الطهور شطر الإيمان”، ويمكن التحقق منها من خلال الوضوء أو الغسل أو التيمم.
- وتقسم الطهارة إلى نوعين بحسب كيفية إزالتها:
- النوع الأول: الطهارة الحقيقية.
وهي التي تنشأ من الخَبَث والأشياء النجسة في الشرع، وتكون في الثوب أو البدن أو المكان، ويتم إزالتها بالتنزه والابتعاد عنها.
- النوع الثاني: الطهارة الحكمية.
وهي التي تتعلق بالحدث وتُرفع من خلال الوضوء أو الغسل، أو التيمّم عند تعذرهما. وقد عرّف الإمام النووي هذه الطهارة بأنها رفع الحدث أو إزالة النجس أو ما يطابقهما من معاني. بينما تشير المدرسة الحنفية إلى أنها رفع ما يمنع الصلاة.
ويقوم بعض العلماء بتقسيم الطهارة إلى: طهارة الحدث، التي تشمل الغسل وتعرف بالطهارة الكبرى، والطهارة الصغرى، التي تتم بالوضوء، ويُستعان بالتيمم عند عدم القدرة على تنفيذ أي منهما. ويتشعب هذا إلى ثلاث طرق لطهارة الخَبَث: الغسل، المسح، والنضح. وينقسم بعض العلماء في تقسيمها إلى طهارة ظاهرية وطهارة باطنية كما ذُكر سابقًا.
الطهارة الظاهرة تتعلق بطهارة الثوب والبدن والمكان، وتُعرف أيضًا بالطهارة الحسية، وتتحقق من خلال إزالة الحدث والخَبَث. أما الطهارة الباطنة، فعادةً ما تُطلق عليها صفة النجاسة أو المرض، كذلك تشمل الأمراض القلبية مثل الحسد والرياء وغيرها.
شروط وجوب الطهارة
يتعين على المسلم تطهير نفسه وثوبه وبدنه ومكانه من جميع النجاسات، بناءً على قوله -تعالى-: “وثيابكَ فطهر”، وأيضاً في قوله -تعالى-: “أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ”. وهناك عشرة شروط تلزم لتحقيق الطهارة، وهي:
- الإسلام: حيث قيل بلاغ الدعوة، وفقاً لقول الله -تعالى-: “وما منعهم أن تُقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله”، لذا فإن النفقة لا تقبل من غير المسلم، ومن باب أولى عبادته التي ليست ذات نفع متعدٍ.
- العقل: فلا تجب الطهارة على الشخص المجنون أو المغشي عليه، بينما يجب على السكران الطهارة، وفقاً لقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: “إن القلم قد رُفع عن ثلاثةٍ: عن المجنون حتى يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يعيق.”
- البلوغ: ويُعرف بخمسة علامات، منها: الاحتلام، إنبات الشعر، الحمل، الحيض، وبلوغ الخامسة عشر، أو في بعض الآراء السابعة عشر، أو الثامنة عشر. لذا، فإن الصبي غير مأمور بالطهارة، كما ورد في حديث سابق.
- انقطاع دم الحيض أو النفاس، كما في قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: “ونقص إحداكن الحيض، تمكث الثلاث والأربع ولا تصلّي”.
- دخول الوقت، وفقاً للمذهب المالكي، يعني دخول وقت الصلاة الحاضرة وتذكّر الصلاة الفائتة.
- عدم النوم.
- عدم النسيان.
- عدم الإكراه.
- وجود الماء أو التراب الطاهرين.
- القدرة على الفعل بقدر الإمكان، كما قال الله -تعالى-: “فاتقوا الله ما استطعتم”.
أهمية الطهارة
للطهارة أهمية كبيرة وفوائد عديدة، ومن أبرزها:
- تحقيق الجمع بين طهارة الجسم وطهارة القلب، والشعور بعظمة الوقوف أمام الله -تعالى- لمناجاته.
- تعزيز النظافة الشخصية وتجديد الطاقة والنشاط لدى الفرد.
- نيل محبة الله -تعالى-، بالإضافة إلى كونها شرطًا لصحة الصلاة والطواف ومسّ المصحف.
- دليل على صحة الإيمان، فهي من العبادات القلبية التي لا يراها إلا الله -تعالى-.
- المساهمة في حماية المجتمع من الأمراض من خلال إزالة الأوساخ والتراب، مما يسهم في الحفاظ على الصحة والنظافة العامة.
- سبب لدخول الجنة، وتكفير الخطايا والذنوب، والكثير من النور يوم القيامة، كما أنها تُمثل متابعة للسنة النبوية وامتثال لأوامر الله -تعالى-.
موجبات ونواقض الطهارة
موجبات الوضوء
يجب الوضوء للعديد من الأمور، وهي:
- الصلاة: سواء كانت فرضاً أو نفلاً، حسب قوله -تعالى-: “يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين”.
- الطواف: كما أوصت النبي -عليه الصلاة والسلام- عائشة -رضي الله عنها- بقولها: “افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري”.
- مسّ المصحف.
نواقض الوضوء
تتعدد الأمور التي تنقض الوضوء أو تفسده، ومن بينها:
- الخارج من السبيلين، كالبول والغائط، وفقاً لقول الله -تعالى-: “أو جاء أحد منكم من الغائط أو لمستم النساء فلم تجدوا ماءً فتيّمّموا صعيداً طيباً”، وأيضاً الريح، ويشترط أن يكون مصحوباً بصوت أو رائحة، وفقاً لحديث النبي -عليه الصلاة والسلام- عندما شكى رجل أنه يشك في ذلك.
- المذي والمني عند خروجه دون شهوة، على عكس الشافعية الذين يرون وجوب الغسل حتى لو نزل دون شهوة.
- زوال العقل، سواء بجنون، إغماء، سكر، أو نوم عميق.
- مسّ الفرج باليد، سواء كان قُبلاً أو دُبراً بدون حائل، وذلك حسب قول المالكية والحنابلة، أما الحنفية فلا يرون ذلك ناقضاً للوضوء، لكن بعض العلماء يرون استحباب الوضوء منه.
- مسّ المرأة بشهوة، وقد اختلف بعض العلماء حول النقض في هذه الحالة إلا إذا خرج شيء، حيث يذهب بعض الحنفية والحنابلة إلى عدم النقض إلا للطهارة بالشهوة، بينما يرى الشافعية أنه ناقض مطلقاً.
- تغسيل الميت، يُعتبر من موجبات الوضوء عند الحنابلة فقط، خلافاً للجمهور.
- أكل لحم الإبل، وهو أيضاً من موجبات الوضوء وفقاً للإمام أحمد فقط.
- الردة: وهي من موجبات الوضوء، حيث تتباين الآراء بين العلماء حول البقاء النقض أو عدمه.
موجبات الغسل
يوجد العديد من الأمور التي تتطلب الغسل، ومنها:
- خروج المني، حيث لا فرق بين الرجل والمرأة في ذلك، سواء في النوم أو اليقظة، كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: “إنما الماء من الماء”، مع اشتراط الحنابلة والمالكية والحنفية وجود الشهوة، بينما يرون الشافعية أنه يكفي الغسل دون شرط الشهوة.
- التقاء الختانين، وهو ما اتفق عليه الفقهاء لقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: “إذا جلس بين شعبيها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل”، وأما في حالة وصول المني إلى الفرج دون إيلاج فلا يغتسل.
- الحيض والنفاس، وفقاً لقوله -تعالى-: “ويسألونك عن المحيض قل هو أذى”.
- الموت، كما يذهب إلى ذلك الحنفية وبعض المالكية والشافعية والحنابلة لقول النبي -عليه الصلاة والسلام- لمن أحدث موتاً محرمًا: “اغسلوه بماء وورد وكفنوه في ثوبيه”.
- الدخول في دين الإسلام، حيث يعتبر هذا مستحباً عند المالكية والحنابلة.
ويُستحب الغسل ليوم الجمعة، وللإحرام سواء كان للحج أو العمرة، وعند دخول مكة، ولأية مناسبة أخرى تتطلب اجتماعاً، وكذلك لمن غسل ميتاً، وللأغراض التنظيفية، وفي الأعياد، وللتبرد، وغيرها من الأغراض التي لم تُذكر هنا.
كيفية الطهارة
طريقة الوضوء
يبدأ المسلم وضوءه بالنية في رفع الحدث، ثم يُسمّي بالله -تعالى-، ويغسل كفيه ثلاث مرات، ثم يتمضمض ويستنشق ثلاث مرات. يُستحب أن يأخذ الماء بالفم والأنف باليمين، وأن يستنثرهما بالشمال.
ثم يغسل وجهه ثلاث مرات مع التأكد من إدخال الماء في لحيته، بعدها يغسل يديه إلى ما فوق المرفقين مع تخليل الأصابع أيضاً. بعد ذلك، يمسح رأسه كاملًا مرة واحدة مِن الأمام إلى الخلف، ويقوم بمسح أذنه ظاهراً وباطناً. وأخيرا، يُغسل قدميه مع كعبيه ويخليل أصابعه.
استنادًا لفعل النبي -عليه الصلاة والسلام-: “دعا بإناءٍ، فأفرغ على كفّيه ثلاث مرات، فغسلَهُمَا، ثم أدخل يده اليمنى في الإناء، ثم مضمض واستنشق، ثم غسل وجهه ثلاث مرات، ويديه إلى المرفقين ثلاث مرات، ثم مسح برأسه، ثم غسل رجليه ثلاث مرات إلى الكعبين.” لذا، فإن الأكمل في الوضوء هو الالتزام بجميع الخطوات المذكورة.
طريقة الغسل
في بداية الغسل، يقوم المسلم بغسل عورته، ثم يُنظّف يديه بالصابون، ثم يتوضأ كما يتوضأ للصلاة. يُمكنه تأخير غسل قدميه حتى نهاية الغسل. بعد ذلك، يقوم بغسل شقّه الأيمن ثم الأيسر، ثم يُفيض الماء على رأسه.
توجد صورتان للغسل: الأولى كاملة، حيث تكون بالنية ثم تعميم الماء على كافة الجسد. أما الصورة الثانية، فتتعلق بالكمال، حيث تشترط النية في القلب، ثم التسمية، ثم غسل الفرج باليد اليسرى، وغسل اليدين ثلاثاً، ثم الوضوء المأمور به. بعد ذلك، يضع المغتسل الماء على رأسه مع تخليل أصول الشعر.
ثم يبدأ بغسل جسمه بدءاً بشقّه الأيمن، وفق ما ورد عن النبي -عليه الصلاة والسلام-: “أدنيت لرسول الله -صلى الله عليه وسلّم- غُسله من الجنابة، فغسل كفّيه مرتين أو ثلاثاً، ثم أدخل يده في الإناء، ثم أفرغ به على فرجه وغسله بشماله، ثم ضرب بشماله الأرض فدلكها دلكاً شديداً، ثم توضأ وضوءه للصلاة، ثم أفرغ على رأسه ثلاث حفنات ملء كفه، ثم غسل سائر جسده.”
كيفية إزالة النجاسة
النجاسة أو الشيء النجس إن وجدت بذاتها، كالبول أو الغائط، فلا يمكن تطهيرها، بينما الشيء المتنجس، الذي اختلط بالنجاسة، يمكن تطهيره بسهولة. إذا كانت النجاسة سائلة مثل البول، يكفي إفراغ الماء فوقها حتى تُزال. أما إذا كانت يابسة، فيجب فركها لإزالتها.
الأصل في الطهارة وإزالة النجاسات يكون بالماء أو ما يُشبهه مثل الثلج أو البرد، كما جاء في قوله -تعالى-: “وأنزلنا من السماء ماءً طهوراً”. يمكن أيضًا إزالة النجاسة بالتراب، خاصة في حالات نجاسة الكلب والخنزير، أو باستخدام الحجارة أو المناديل. إذا كان هناك شك في وجود نجاسة، يكفي إفراغ الماء على المكان المتشكك فيه. وإذا كان الشك في ذاته، يُفضل ترك الشك لأن الأصل في الأشياء هي الطهارة.
الأصل في الطهارة هو إزالة الرائحة واللون وعين النجاسة، ويمكن إعفاء النجاسات التي يصعب إزالة لونها مثل الدم المتجلط، ولكن يجب على الإنسان أن يبذل جهده في إزالتها.
كيفية التيمم
يتم إجراء التيمم للطهارة من الحدثين الأصغر والأكبر، ولكن لا يُشرع تيمم للطهارة في الثوب أو البدن أو المكان، بل يجب إزالتها وغسلها. إذا تعذر ذلك، يجب على المسلم الصلاة على حاله.
ويكون التيمم بأن يبدأ بالتسمية، ثم يضرب الأرض بكفيه مع تفريج الأصابع، ثم يمسح وجهه بباطن أصابعه، ويقوم بمسح ظاهر كفيه براحة يديه، كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لعمار بن ياسر -رضي الله عنه-: “بعثني رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- في حاجة، فأجنبت ولم أجد الماء، فتمرغت في الصعيد كما تمرغ الدابة، فأخبرت النبي بذلك، فقال: إنما كان يكفيك أن تصنع هكذا” ثم ضرب بكفيه ضربةً على الأرض، ثم نفشها، ثم مسح بها ظهر كفه بشماله أو ظهر شماله بكفه.
تذهب الحنفية والشافعية إلى أن التيمم يكون بضربتين، الأولى للوجه والثانية لليدين، بينما ترى المالكية والحنابلة أنه ضربة واحدة، والأكمل هو ضربتان.