تحليل قصيدة ابن عربي في مدح الرسول
تحليل المقدمة الغزلية
أَلا يا حَماماتِ الأَراكَةِ وَالبانِ
:::تَرَفَّقنَ لا تُضعِفنَ بِالشَجوِ أَشجاني
تَرَفَّقنَ لا تُظهِرنَ بِالنوحِ وَالبُكا
:::خَفِيَّ صَباباتي وَمَكنونَ أَحزاني
أُطارِحُها عِندَ الأَصيلِ وَبِالضُحى
:::بِحَنَّةِ مُشتاقٍ وَأَنَّةِ هَيمانِ
تَناوَحَتِ الأَرواحُ في غَيضَةِ الغَضا
:::فَمالَت بِأَفنانٍ عَلَيَّ فَأَفناني
وَجاءَت مِنَ الشَوقِ المُبَرِّحِ وَالجَوى
:::وَمِن طُرَفِ البَلوى إِلَيَّ بِأَفنانِ.
يبدأ الشاعر قصيدته بمقدمة غزلية، مما يعكس ولاءه للتقاليد الشعرية العربية التي تستوجب تقديم مقدمة سواء كانت طللية أو غزلية. ومن خلال خياراته، يتجه الشاعر نحو المقدمة الغزلية لأنه يُعتبر شيخًا صوفيًا.
تقوم العلاقات في التصوف على الحب، الذي يُعد أساس العلاقة بين البشر، وأيضًا بين العبد وربه، وكذلك بين المسلم ونبيه. ويظهر ذلك من خلال انتقاء الشاعر لموضوع الغزل، حيث يتوجه إلى الحمامات التي تحلق في شجرة الأراك والبان ويطلب منهن الترفق.
يظهر استعمال الشاعر لشجرة الأراك كدليل على دافع ديني، حيث ذكرت في القرآن الكريم، ويُستخرج منها السواك، الذي أوصى الرسول باستخدامه قبل كل صلاة. وبالتالي، يسعى الشاعر من خلال دعوته لهذه الحمامات إلى التعبير عن مشاعره وآلامه المترتبة عن الفراق.
يكشف الشاعر عن مشاعره وأوجاعه، معبرًا عن نار حبه المتقدة، كما يتصل بكاءه العذب بالأرواح التي استجابت لندائه، آتية لتعزيته ومواساته، كالأغصان التي تحيط بالأشجار.
تحليل لوحة المدح
فَمَن لي بِجَمعٍ وَالمُحَصَّبِ مِن مِنىً
:::وَمَن لي بِذاتِ الأُثلِ مَن لي بِنَعمانِ
تَطوفُ بِقَلبي ساعَةً بَعدَ ساعَةٍ
:::لِوَجدٍ وَتَبريحٍ وَتَلثُمُ أَركاني
كَما طافَ خَيرُ الرُسلِ بِالكَعبَةِ الَّتي
:::يَقولُ دَليلُ العَقلِ فها بِنُقصانِ
وَقَبَّلَ أَحجاراً بِها وَهُوَ ناطِقٌ
:::وَأَينَ مَقامُ البَيتِ مِن قَدرِ إِنسانِ
فَكَم عَهِدَت أَن لا تَحولَ وَأَقسَمَت
:::وَلَيسَ لِمَخضوبٍ وَفاءٌ بِأَيمانِ.
في بداية هذه اللوحة، يتمنى الشاعر أن يحصل على أثر من محبوبه، مفسرًا أن للغزل عطرًا طيبًا، متمنيًا أن يذكره أحبائه. فهو في حالة حب شديدة تضطره لطلب حتى الأثار التي تذكره بمحبوبته.
يشبه الشاعر مشاعر الحب في قلبه بحركة الطواف، التي لا تأخذ شكلًا محددًا تنتهي عنده، مما يعني استمرار حبّه وعواطفه. ويؤكد الشاعر في ذلك السياق الروحي باستخدامه لمصطلح الطواف، ما يرتبط بممارسة فريضة الحج، ويتناسب مع جو القصيدة التي تمدح النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-.
يجعل الشاعر مقارنةً بين طواف المحب حول قلبه وطواف النبي حول الكعبة، مما يمثّل وجه الشبه بين الطوافَيْن، إذ كلاهما يعبر عن حب عميق. فالرسول يعبّر عن حبه لله عبر طواف الأماكن المقدسة، في حين أن ابن عربي يطوف بحبه في أعظم أماكن الإنسان، الذي هو القلب، موطن الحب والإيمان.
يشير الشاعر إلى تقبيل الرسول للحجر الأسود، لكنه يتساءل عن مدى إمكانية قارنته بمكانة الكعبة، مُظهرًا احترامه للقدسية، معوضًا المساواة بين الدرجة النوعية لتقديم الفكرة بشكل أفضل.
اللوحة الأخيرة وصف القلب
وَمَن عَجَبِ الأَشياءِ ظَبيٌ مُبَرقَعٌ
:::يُشيرُ بِعُنّابٍ وَيَومي بِأَجفانِ
وَمَرعاهُ ما بَينَ التَرائِبِ وَالحَشا
:::وَيا عَجَباً مِن رَوضَةٍ وَسطَ نيرانِ
لَقَد صارَ قَلبي قابِلاً كُلَّ صورَةٍ
:::فَمَرعىً لِغِزلانٍ وَدَيرٌ لِرُهبانِ
وَبَيتٌ لِأَوثانٍ وَكَعبَةُ طائِفٍ
:::وَأَلواحُ تَوراةٍ وَمُصحَفُ قُرآنِ
أَدينُ بِدَينِ الحُبِّ أَنّي تَوَجَّهَت
:::رَكائِبُهُ فَالحُبُّ دَيني وَإيماني
لَنا أُسوَةٌ في بِشرِ هِندٍ وَأُختِها
:::وَقَيسٍ وَلَيلى ثُمَّ مَيٍّ وَغَيلانِ.
أولياء الله يعتنون بالقلب بشكل خاص، لأنه محور الخير أو الشر عند الإنسان. وتظهر عبقرية الشاعر في ربط قلبه بعناصر الطبيعة بشكل مثير، حيث يتحدث عن ظبي يرمش بعينيه وسط حرائق. وهذا يُشير إلى أنه حتى مع تعرض قلبه للعذاب بسبب الحب، إلا أنه لا يزال طاهرًا ويمثل مكانًا آمنًا.
يُوصّف الشاعر قلبه بأوصاف متناقضة، من مرعى للغزلان إلى دير للرهبان وبيت للأوثان، وصولًا إلى الكعبة وتقديس آيات الكتب السماوية. وفي ذلك يسعى ليُظهر أن قلبه فسيح ومقبول لكل إنسان مهما كانت ديانته، الأمر الذي يعكس أن الحب هو جوهر التصوف، الساعي لتحقيق السلام الروحي والعقلي.