الأم
تعد الأم رمزًا للحب والصبر، فهي التي تعطي بدون انتظار مقابل، وتعتبر مدرسة نكتسب منها الدروس الحياتية. تمثل الأم نهرًا من العطاء لا يجف أبدًا، وقد كتب عنها العديد من الشعراء، مثل: أبو قاسم الشابي، وماجد البلداوي، وعبد الرحمن العشماوي، ونزار قباني. في هذا المقال، سنستعرض أجمل القصائد التي تتناول دور الأم ومكانتها في حياتنا.
الأم تحتضن طفلها
وُلد أبو قاسم الشابي في 24 فبراير عام 1909 وتوفي في 9 أكتوبر 1934. وتعتبر قصيدته عن الأم من أبرز أعماله:
الأمُّ تلثُمُ طفلَها وتضـمُّه
حرَمٌ سماويُّ الجمالِ مقدَّسُ
تتألّه الأفكارُ وهْي جوارَه
وتعودُ طاهرةً هناكَ الأنفُسُ
حَرَمُ الحياة ِ بِطُهْرِها وَحَنَانِها
هل فوقَهُ حرَمٌ أجلُّ وأقدسُ
بوركتَ يا حرَمَ الأمومة ِ والصِّبا
كم فيك تكتمل الحياة ُ وتقدُسُ
قصيدة تنشيد الأم
ماجد البلداوي، المعروف بشاعر وصحفي يقيم في محافظة ميسان، له عدد من الإصدارات الشعرية مثل “شجر الحكمة” و”إغراءات وردة النار”. من قصائده المميزة التي تتحدث عن الأم:
إلى روضة الحنان والأمان
يا سيدَة الحب يا كلَّ الحب
يا سيدةَ القلب كلَّ القلب
كيف أوزّع وجعي
والحلمُ الورديُّ يهددني باليقظةِ
يا منْ أمطرتِ الأرضَ
بهذا الجريان
أمي سيدةُ الروحِ العمرِ
يا فيضَ حنانْ
يا سورةََ رحمن في إنسانْ
يا قدّاسا يمنحُ للجنةِ كل فتوتها
ويلون تاريخ الأشياء بلمسة إيمان
يا أمي كيف أسطر حرفي
هل تكفي عنك قصيدة شعر واحدة
أو ديوان
أنتِ نبيةُ حزني فرحي
عاصمةُ الأحزان
يا أكبرَ من كل حروفي
ومن كل اناشيدي
يا أكبرَ من نافذة الغفران
قد أعطاكِ اللهُ ويعطيكِ الحكمةَ يعطيكِ السلوانْ
سأقبّل أسفلَ قدميكِ القدسيينِ
كي أحظى بالجنةِ
يا سيدة َالحبِ وعاصفة الوجدان
أستغفركِ الآنَ واطلبُ غفرانكِ
اطلبُ غفرانَ الله على كفيكِ
فامتطري الغيمَ
وشدّي أزري
أزرَ الروح
روحي متعبةٌ وخطاي خفافا يوطؤها الحرمانْ
وأنا ما زلتُ أنا
أحبو تحتَ ظلالِ الدهشةِ
أتلوا ما يتيسّر لي من شغفٍ أو أحزانْ
أمي يا كلّ جنانِ الأرض
يا أكبرَ عنوان
آهٍ كيفَ اسدّدُ كلَّ ديوني نحوكِ
وانا ثمةُ خطا أو خطآن
حوار مع أمي
عبد الرحمن العشماوي هو شاعر سعودي وُلد عام 1375 هـ (1956 م)، وله مجموعة من الدواوين الشعرية الشهيرة. من أبرز قصائده التي تعبر عن مشاعره تجاه الأم:
أمي تسائلني تبكي من الغضب
ما بال أمتنا مقطوعة السببِ
ما بال أمتنا فلّتْ ضفائرها
وعرّضت وجهها القمحيّ للّهبِ
ما بال أمتنا ألقت عباءتها
وأصبحت لعبة من أهون اللّعَبِ
ما بال أمتنا تجري بلا هدف
وترتمي في يدي باغ ومغتصبِ
ما بال أمتنا صارت معلّقةً
على مشانق أهل الغدر والكذبِ
ما بالُها مزّقت أسباب وحدتها
ولم تُراع حقوق الدين والنّسَبِ
أمي تسائلني والحزن يُلجمني
بني مالك لم تنطق ولم تُجبِ
ألست أنت الذي تشدوا بأمتنا
وتدّعي أنها مشدودة الطُّنبِ
وتدعي أنها تسمو بهمتها
وتدعي أنها مرفوعة الرتبِ
بني قل لي لماذا الصمت في زمن
أضحى يعيش على التهريج والصّخبِ
أماه لا تسألي إني لجأت إلى
صمتي لكثرة ما عانيت من تعبي
إني حملت همومًا لا يصورها
شعر وتعجز عنها أبلغ الخطب ِ
ماذا أقول وفي الأحداث تذكرة
لمن يعي وبيان غير مقتضبِ
تحدّث الجرحُ يا أماه فاستمعي
إليه واعتصمي بالله واحتسبي
رسائل حب إلى أمي
نزار قباني، شاعر سوري وُلد في دمشق في 21 مارس 1923، تخرج من كلية الحقوق بجامعة دمشق عام 1945. يعد من أبرز الشعراء العرب في القرن العشرين. من قصائده القلبية عن أمه:
صباحُ الخيرِ يا حلوه
صباحُ الخيرِ يا قدّيستي الحلوه
مضى عامانِ يا أمّي
على الولدِ الذي أبحر
برحلتهِ الخرافيّه
وخبّأَ في حقائبهِ
صباحَ بلادهِ الأخضر
وأنجمَها وأنهُرها وكلَّ شقيقها الأحمر
وخبّأ في ملابسهِ
طرابيناً منَ النعناعِ والزعتر
وليلكةً دمشقية
أنا وحدي
دخانُ سجائري يضجر
ومنّي مقعدي يضجر
وأحزاني عصافيرٌ
تفتّشُ بعدُ عن بيدر
عرفتُ نساءَ أوروبا
عرفتُ عواطفَ الإسمنتِ والخشبِ
عرفتُ حضارةَ التعبِ
وطفتُ الهندَ طفتُ السندَ طفتُ العالمَ الأصفر
ولم أعثر
على امرأةٍ تمشّطُ شعريَ الأشقر
وتحملُ في حقيبتها
إليَّ عرائسَ السكّر
وتكسوني إذا أعرى
وتنشُلني إذا أعثَر
أيا أمي
أيا أمي
أنا الولدُ الذي أبحر
ولا زالت بخاطرهِ
تعيشُ عروسةُ السكّر
فكيفَ فكيفَ يا أمي
غدوتُ أباً
ولم أكبر
صباحُ الخيرِ من مدريدَ
ما أخبارها الفلّة
بها أوصيكِ يا أمّاهُ
تلكَ الطفلةُ الطفله
فقد كانت أحبَّ حبيبةٍ لأبي
يدلّلها كطفلتهِ
ويدعوها إلى فنجانِ قهوتهِ
ويسقيها
ويطعمها
ويغمرها برحمتهِ
وماتَ أبي
ولا زالت تعيشُ بحلمِ عودتهِ
وتبحثُ عنهُ في أرجاءِ غرفتهِ
وتسألُ عن عباءتهِ
وتسألُ عن جريدتهِ
وتسألُ حينَ يأتي الصيفُ
عن فيروزِ عينيه
لتنثرَ فوقَ كفّيهِ
دنانيراً منَ الذهبِ
سلاماتٌ
سلاماتٌ
إلى بيتٍ سقانا الحبَّ والرحمة
إلى أزهاركِ البيضاءِ فرحةِ ساحةِ النجمة
إلى تختي
إلى كتبي
إلى أطفالِ حارتنا
وحيطانٍ ملأناها
بفوضى من كتابتنا
إلى قططٍ كسولاتٍ
تنامُ على مشارقنا
وليلكةٍ معرشةٍ
على شبّاكِ جارتنا
مضى عامانِ يا أمي
ووجهُ دمشقَ
عصفورٌ يخربشُ في جوانحنا
يعضُّ على ستائرنا
وينقرنا
برفقٍ من أصابعنا
مضى عامانِ يا أمي
وليلُ دمشقَ
فلُّ دمشقَ
دورُ دمشقَ
تسكنُ في خواطرنا
مآذنها تضيءُ على مراكبنا
كأنَّ مآذنَ الأمويِّ
قد زُرعت بداخلنا
كأنَّ مشاتلَ التفاحِ
تعبقُ في ضمائرنا
كأنَّ الضوءَ والأحجارَ
جاءت كلّها معنا
أتى أيلولُ يا أماهُ
وجاء الحزنُ يحملُ لي هداياهُ
ويتركُ عندَ نافذتي
مدامعهُ وشكواهُ
أتى أيلولُ أينَ دمشقُ
أينَ أبي وعيناهُ
وأينَ حريرُ نظرتهِ
وأينَ عبيرُ قهوتهِ
سقى الرحمنُ مثواهُ
وأينَ رحابُ منزلنا الكبيرِ
وأين نُعماه
وأينَ مدارجُ الشمشيرِ
تضحكُ في زواياهُ
وأينَ طفولتي فيهِ
أجرجرُ ذيلَ قطّتهِ
وآكلُ من عريشتهِ
وأقطفُ من بنفشاهُ
دمشقُ دمشقُ
يا شعراً
على حدقاتِ أعيننا كتبناهُ
ويا طفلاً جميلاً
من ضفائره صلبناهُ
جثونا عند ركبتهِ
وذُبِنا في محبّتهِ
إلى أن في محبتنا قتلناهُ
قصيدة عن الأم
أبو صلاح إبراهيم ميخائيل وُلد عام 1875 وتوفي عام 1950 في لبنان. له أكثر من مئة قصيدة في الشعر العربي. ومن رائعاته، هذه الأبيات عن الأم:
أغرى امرؤٌ يوماً غلاماً جاهلاً
بنقوده حتّى ينال به الوطر
قال ائتني بفؤاد أمك يا فتى
ولك الدّراهم والجواهر والدّرر
فمضى وأغمد خنجراً في صدرها
والقلب أخرجه وعاد على الأثر
لكنّه من فرط سرعته هوى
فتدحرج القلب المضرج إذ عثر
ناداه قلب الأم وهو معفّر
ولدي حبيبي هل أصابك من ضرر