تحليل قصيدة أبي تمام حول انتصار المسلمين في عمورية

التحليل الموضوعي للقصيدة

من خلال التأمل في هذه القصيدة، يتبين أن الشاعر يركز موضوعه حول عملية فتح عمورية والأحداث المرافقة لهذا الفتح. في بداية القصيدة، يعلن عن النصر العظيم الذي حققه الجيش العباسي وهزيمته للروم، وذلك بعد احتلال مدينة عمورية، إحدى أكبر وأشد المدن الرومية تحصينًا. يؤكد الشاعر أن أفعال الخليفة المعتصم قد كانت ناصعة ولم تنلها هزيمة.

ثم ينتقل الشاعر إلى موضوع آخر وهو السخرية من المنجمين، الذين كانوا قد حذروا المعتصم من هزيمته بناءً على ما رأوه في النجوم. في المقابل، جاء النصر ليكذب مزاعمهم، وفتح المدينة أمام الجيش العباسي. يصف الشاعر أحاديثهم بأنها مجرد خرافات وكلمات مفبركة، فهي ليست أكثر من كواكب تتحرك بشكل طبيعي. ويتساءل في شعره:

أَينَ الرِوايَةُ بَل أَينَ النُجومُ وَما

صاغوهُ مِن زُخرُفٍ فيها وَمِن كَذِبِ

تَخَرُّصاً وَأَحاديثاً مُلَفَّقَةً

لَيسَت بِنَبعٍ إِذا عُدَّت وَلا غَرَبِ

عَجائِباً زَعَموا الأَيّامَ مُجفِلَةً

عَنهُنَّ في صَفَرِ الأَصفارِ أَو رَجَبِ

وَخَوَّفوا الناسَ مِن دَهياءَ مُظلِمَةٍ

إِذا بَدا الكَوكَبُ الغَربِيُّ ذو الذَنَبِ

وَصَيَّروا الأَبرُجَ العُليا مُرَتَّبَةً

ما كانَ مُنقَلِباً أَو غَيرَ مُنقَلِبِ

يَقضونَ بِالأَمرِ عَنها وَهيَ غافِلَةٌ

ما دارَ في فُلُكٍ مِنها وَفي قُطُبِ

لَو بَيَّنَت قَطُّ أَمراً قَبلَ مَوقِعِهِ

لَم تُخفِ ما حَلَّ بِالأَوثانِ وَالصُلُبِ

بعدما فضح الشاعر المنجمين وكذبهم، ينتقل إلى مدح الخليفة المعتصم، معبرًا عن فخره بأفعاله البطولية حين اجتاح المدينة ودمرّها. يعدّ المعتصم رجل حرب وقائدًا بارعًا، ويُظهر كيف أن أي قائد آخر لم يكن ليستطيع فتح هذه المدينة المحصنة، كما يتضح في قوله:

تَدبيرُ مُعتَصِمٍ بِاللَهِ مُنتَقِمٍ

لِلَّهِ مُرتَقِبٍ في اللَهِ مُرتَغِبِ

وَمُطعَمِ النَصرِ لَم تَكهَم أَسِنَّتُهُ

يَوماً وَلا حُجِبَت عَن رَوحِ مُحتَجِبِ

لَم يَغزُ قَوماً وَلَم يَنهَض إِلى بَلَدٍ

إِلّا تَقَدَّمَهُ جَيشٌ مِنَ الرَعَبِ

لَو لَم يَقُد جَحفَلاً يَومَ الوَغى لَغَدا

مِن نَفسِهِ وَحدَها في جَحفَلٍ لَجِبِ

رَمى بِكَ اللَهُ بُرجَيها فَهَدَّمَها

وَلَو رَمى بِكَ غَيرُ اللَهِ لَم يُصِبِ

مِن بَعدِ ما أَشَّبوها واثِقينَ بِها

وَاللَهُ مِفتاحُ بابِ المَعقِلِ الأَشِبِ

وَقالَ ذو أَمرِهِم لا مَرتَعٌ صَدَدٌ

لِلسارِحينَ وَلَيسَ الوِردُ مِن كَثَبِ

التحليل الفني للقصيدة

يظهر من قراءة القصيدة أن الشاعر يعتمد بشكل بارز على التصوير الفني. بدأ قصيدته بوصف مبدع للسيوف التي بدت كأنها تحمل صفة الصدق، وهي صفة لا تعود للجماد. قام الشاعر بإنسانية السيوف، إذ خاطبها بعد أن ادعى المنجمون أن النصر بعيد عن المعتصم وجيشه، لتأتي النتيجة وتؤكد النصر.

يتألق الشاعر في تصوير حال عمورية بعد سقوطها، حيث تصبح المدينة كومة من الرماد بعد انهيار أبراجها، ودخول جيش المعتصم الذي قضي على فرسانها. تصوّر الصورة التي يرسمها الشاعر جثث القتلى من الروم مرمية على الأرض، بعد أن كانوا أبطالًا، كما يصف حال المدينة بعد الفتح.

ويلفت انتباه الناظر إليها في الليل، حيث يبدو وكأن الشمس لم تغب من شدة النيران المشتعلة. وبعد توقف النيران، كان الدخان يتصاعد منها أسود قاتمًا، حتى أن من ينظر إلى المدينة في وضح النهار يظن أن الليل ما زال يحوم حولها، مما يجعل الشاعر يقدم لوحتين متباينتين لحالة المدينة كما نرى في قوله:

تَدبيرُ مُعتَصِمٍ بِاللَهِ مُنتَقِمٍ

لِلَّهِ مُرتَقِبٍ في اللَهِ مُرتَغِبِ

وَمُطعَمِ النَصرِ لَم تَكهَم أَسِنَّتُهُ

يَوماً وَلا حُجِبَت عَن رَوحِ مُحتَجِبِ

لَم يَغزُ قَوماً وَلَم يَنهَض إِلى بَلَدٍ

إِلّا تَقَدَّمَهُ جَيشٌ مِنَ الرَعَبِ

لَو لَم يَقُد جَحفَلاً يَومَ الوَغى لَغَدا

مِن نَفسِهِ وَحدَها في جَحفَلٍ لَجِبِ

رَمى بِكَ اللَهُ بُرجَيها فَهَدَّمَها

وَلَو رَمى بِكَ غَيرُ اللَهِ لَم يُصِبِ

مِن بَعدِ ما أَشَّبوها واثِقينَ بِها

وَاللَهُ مِفتاحُ بابِ المَعقِلِ الأَشِبِ

وَقالَ ذو أَمرِهِم لا مَرتَعٌ صَدَدٌ

لِلسارِحينَ وَلَيسَ الوِردُ مِن كَثَبِ

التحليل الإيقاعي في القصيدة

عند تأمل تأثير الايقاع في هذه القصيدة، نلاحظ أن الشاعر يبدأ ببيت مقفّى ومصرّع، حيث ساهم هذا التصريع في إبراز الأجواء الحماسية للقصيدة. إن الموسيقى الداخلية لها تنبض بالفخامة، وتستخدم ألفاظًا قوية تعكس انتصارًا كبيرًا في الحرب، مما يعكس اهتمام الشاعر بالموسيقى الشعرية، حيث اختار حرف الروي “الباء”، وهو من الحروف ذات الصوت الجهوري.

أما بالنسبة للوزن الشعري، فهو من بحر البسيط، الذي يحتوي على تعددية في التفاعيل، إذ يتكون من ثماني تفعيلات في البيت، مما يمنح الشاعر مساحة من الحرية للتعبير عن موضوعه، حيث يتحكم الوزن في الاستجابة للألفاظ المستخدمة، مما يضفي عمقًا وامتدادًا على موضوع القصيدة.

Scroll to Top