خاتمة برنامج إذاعي عن ذكرى المولد النبوي الشريف

قد يتساءل البعض عن سبب صمت الفقهاء والأئمة تجاه الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، رغم اعتباره بدعة غير مستحبة وفقًا للتعاليم الشرعية.

وكيف لم يتصدوا لهذه الفكرة منذ بدايتها حتى أصبحت عادة راسخة في المجتمعات الإسلامية، خاصة في ختام الفعاليات المتعلقة بالمولد النبوي.

نؤكد أن علماء الأمة لم يسكتوا عن هذا الموضوع، بل قد أبدوا اعتراضهم على هذه البدعة منذ ظهورها، وقد تناولت كتاباتهم هذا الأمر بشكل واسع.

آراء العلماء في رفض الاحتفال بالمولد

من الردود البارزة في هذا الشأن، ما كتبه ابن الحاج في مؤلفه “المدخل”، حيث تناول فيه القضية بشكل شامل.

كما كتب الفاكهاني السكندري، الذي يمثل المذهب المالكي، ردًا على رسالة القيرواني المعنونة “المورد في الكلام عن المولد”.

ويمكنكم الاطلاع على مقالنا حول:

لماذا لا يستجيب الناس للعلماء؟

  • تدهور الثقافة الدينية خلال بعض الفترات التاريخية قد أدى إلى انخفاض استجابة الناس لدعاة الإصلاح، بينما كانت استجابة الجماهير للبدع سريعة وواسعة.
  • كما أن الإنسان، الذي تضعف مناعته نتيجة مرض معين، يكون أكثر عرضة للإصابة بالأمراض، حيث تقل مقاومته.
  • يماثل ذلك مجتمعًا ضعيف العقيدة وثقافة، كتلك الجدران المتهدمة التي يسهل إزالتها دون جهد كبير.
  • بينما يصبح من الصعب إسقاط جدار سليم وقوي حتى عند استخدام أدوات الهدم.
  • لذا فإن انتشار بدعة الاحتفال بالمولد النبوي في مجتمعاتنا الإسلامية وثباتها ليس بمؤشر على تقاعس العلماء في مواجهتها، بل هو دلالة على ضعف المجتمع نفسه.

مقاربة الفاكهاني السكندري لإبطال البدعة

  • قال الفاكهاني رحمه الله بعد حمد الله، إن السؤال المتعلق بجمع الناس على الاحتفال السنوي بالمولد، الذي يوافق 12 من شهر ربيع الأول، وما إذا كان هذا الأمر مبتدعًا أو مشروعًا، يتكرر في الكثير من المجالس.
  • ثم أضاف الفاكهاني قائلاً:
    • ليس لدي علم بأن الاحتفال بالمولد له أصل في سنة نبينا أو في القرآن، كما أنه لم يُمارس من قبل الصحابة أو السلف الصالح أو أي من علمائنا.
  • وبما أن هذا الأمر لا يحتوي على أصل أو اقتداء، فإنه يعد من البدع المحدثة التي ابتدعها أهل الضلالة.
  • ويمكن قياس أي مسألة شرعية على خمس أحكام: واجب، مندوب، مباح، مكروه، ومحرم.
  • وعند قياس الاحتفال بالمولد وفق هذه المعايير، نجد أنه ليس بواجب أو مندوب، وليس من المباحات أيضاً.
  • فالواجب هو ما يلزم فعله ويعد تركه إثمًا، والمندوب هو ما يُستحب فعله مع جواز تركه، بينما المباح هو الجائز.
  • وبما أن الاحتفال بالمولد ليس في أي من هذه الفئات الثلاث، فإنه يصبح إما مكروهًا أو محرمًا، خاصة وأن أحدًا لم يفعله من السلف الصالح لا في حياة النبي ولا بعد وفاته.

هل الاحتفال بالمولد مكروه أم محرم؟

  • إن الاحتفال بالمولد لا يُعتبر مشروعًا بالمطلق كما أشرنا في السابق، ويثار هنا سؤال مهم: “هل هو محرم أم مكروه؟” الجواب يتضمن وجهين.
  • الوجه الأول يتعلق بما إذا كان الاحتفال يحدث بشكل فردي أو بين العائلة.
    • فإذا كان الاحتفال يتم دون جمع لتناول الطعام أو الشراب بدعوى الاحتفال، يمكن وصفه بأنه بدعة وهو مكروه شرعًا.
  • أما الوجه الثاني، فهو يشير إلى أن الاحتفال بالمولد يعد محرمًا بوضوح، عندما يتضمن تجمعات للاحتفال بالولائم.
  • أيضًا، يشمل ذلك الاستماع للغناء، واختلاط الرجال بالنساء، والرقص، وأي مظهر من مظاهر المحرمات.
  • وفي حال كان الاجتماع خاصًا بالنساء فقط، للاحتفال مع رفع الأصوات بالغناء والرقص، فإنها تعد أيضًا ضمن المحرمات.
  • وفي جميع الحالات سواء كانت مكروهة أو محرمة، فإن الأولى هو ترك الاحتفال بالمولد كونه بدعة يُحاسب عليها المرء.
  • الأفضل من الاحتفال بمولد نبينا هو تكريمه بالامتثال لأوامره واجتناب نواهيه.

كما يمكنكم معرفة المزيد عن:

لماذا لا نعبس في ذكرى وفاة النبي؟

  • احتفل نبينا الكريم، صلوات الله وسلامه عليه، بمولده في نفس الشهر الذي توفي فيه، وهو ربيع الأول، فلماذا لا نقيم العزاء في وفاة النبي بينما نحتفل بمولده؟!
  • أليس من المثير للدهشة أننا لا ننظم مراسم حزن؟
  • إن الحزن غالبًا ما يسبق الفرح، والإنسان يتذكر مولده طوال حياته.
  • لكن عندما يتوفى الله شخصًا، لا نجد من المقربين من يقيم احتفالًا بميلاده.
  • بينما نجد البعض يقيم المآتم في ذكرى وفاة ذويهم.
  • وبذلك، يظهر أن من غير المنطقي الاحتفال بمولد النبي، وعدم الاهتمام بذكرى وفاته، مما يدل على أن هذه الفكرة هي بدعة ويعكس أهواء لا علاقة لها بالدين.
  • فلا يوجد أي أصل شرعي لإقامة مظاهر الاحتفال سواء بمولد النبي أو وفاته.

آراء تجيز الاحتفال بمولد النبي

  • توجد آراء فقهية تدعو إلى جواز الاحتفال بمولد الرسول، حيث يستند أصحاب هذا الرأي إلى عدم اعتراض فقهاء القرن الرابع، عندما بدأ الاحتفال بالمولد.
  • من ذلك الحين وحتى القرن السابع، كانت الاحتفالات مستمرة دون أن تثير استنكار العلماء في تلك الفترات.
  • بل وكانت تعد هذه المناسبات محط اهتمام العديد من العلماء، حيث كانت تستهوي المسلمين من جميع الجهات.
  • كما استندوا إلى حقيقة أن النبي الكريم كان يصوم يوم الإثنين، والذي يوافق يوم مولده، مما اعتبره البعض دليلاً على استحسان الاحتفال.
  • يؤكد أصحاب هذا الرأي أنه لا يعتبر الاحتفال بالمولد مكروهًا أو محرمًا، بشرط ألا يتضمن أي مظاهر من المحرمات.
  • ويشمل ذلك عدم السماح بأي مظاهر من الطرب، الرقص، أو الاختلاط المحرم.
  • ويرون أن استخدام هذه المناسبة لاستنفار المشاعر وتذكيرها بسيرة النبي، يعد من أفضل أشكال الاحتفال.
  • فالدراسة العميقة لسيرة النبي تجلب الخير وتدفع الشر؛ مما يعزز حب النبي وتعظيمه في النفوس.
  • كما تُبرز الجهود التي بذلها النبي لنشر دعوته وهداية أمته.

هل الفاطميون هم أول من احتفل بالمولد النبوي؟

  • رغم أن الفاطميين أعتادوا الاحتفال بالمولد خلال فترة حكمهم، إلا أن اعتبارهم أول من احتفل به يُعد من الأخطاء الشائعة.
  • لقد اقتصر الاحتفال بالمولد في عهدهم على صنع الحلوى التي كانت تُحمل في موكب رئيس القضاة، الذي يتوجه إلى الأزهر ثم إلى قصر الخلافة، حيث تُوزع الصدقات والحلوى وتُلقى الخطب.
  • من الملاحظ أنه رغم مرور قرون على مولد سيد الخلق، إلا أن ذكرى مولده متأصلة في قلوب جميع المسلمين.
  • إنه يوم مبارك لا شك في ذلك، سواء اعتبره البعض جائزًا أو أنكره البعض الآخر.
Scroll to Top