مفهوم العصف الذهني وأهميته

ما هو العصف الذهني؟

يمكن وصف العصف الذهني (بالإنجليزية: Brainstorming) كعملية منهجية تهدف إلى توليد عدد كبير من الأفكار من خلال مجموعة من القواعد المحددة. تستند هذه العملية إلى تعزيز التفكير الحر والابتكار من خلال تحفيز الأذهان على إطلاق العنان لأفكار جديدة دون قيود. يُعد العصف الذهني منهجاً فعالاً لاستنباط الأفكار، أو ضبطها، خاصة عندما يواجه الفرد صعوبة في العثور على أفكار مبتكرة أو عندما يكون في حاجة إلى إلهام. وعلى الرغم من أنه يُعتبر وسيلة لتوليد الأفكار الجديدة، إلا أنه يُستخدم أيضًا لتوسيع نطاق التفكير، تنظيم الأفكار، أو اكتشاف الروابط المشتركة بين الأفكار المتعددة، ما يسهل التخطيط الفعّال للمشروعات أو المهام المحددة.

تاريخ العصف الذهني

تعود جذور مفهوم العصف الذهني إلى فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى. في عام 1928، تأسست شركة BBDO في نيويورك بواسطة مجموعة من المبادرين، وأبرزهم (باتن، بارتون، دورستين، وأوزبورن). بدأت الشركة في تحقيق نمو ملحوظ حتى عام 1939، حيث واجهت انخفاضًا تدريجيًا في الأرباح، مما أدى إلى مغادرة أحد مؤسسيها، روي دورستين، لتأسيس شركته الخاصة. خلال هذه المرحلة الحرجة، قدم أليكس أوزبورن مساهماته الثمينة من خلال تطوير أسلوب يشجع على التفكير الابتكاري، حيث نشر كتاب “How to Think Up” في عام 1942، مما تم اعتباره قاعدة رئيسية للعصف الذهني. تمكنت BBDO من التقدم لتصبح في عام 1951، ثاني أكبر شركة إعلانات في الولايات المتحدة، محققة أرباحاً قياسية، وفي عام 1953، أصدر أوزبورن كتاب “الخيال التطبيقي” (Applied Imagination) والذي عرض فيه تقنيات العصف الذهني وفوائدها من خلال استخدام شركته كحالة دراسية.

أوزبورن اقترح أن تتضمن مجموعات العصف الذهني ما بين خمسة إلى اثني عشر شخصاً، بما في ذلك أعضاء من خلفيات متنوعة. ومع ذلك، لم تظهِر هذه التركيبة فعالية كافية خلال جلسات العصف الذهني التي جرت في شركته. وشدد على أهمية أن يكون المشاركون مؤهلين وملمين بالمشكلة المطروحة، مع ضرورة تدريبهم على القواعد الخاصة بالعصف الذهني. كما أوصى بوجود مشرف لإدارة الجلسة. من بين 401 جلسة عصف ذهني تم تنظيمها، تم توليد حوالي 34,000 فكرة اختير منها 2,000 فكرة ذات جودة عالية وقابلة للاستثمار، وذلك في بيئة تشجع على الابتكار.

تطور مفهوم العصف الذهني

انتشر العصف الذهني بشكل واسع في العديد من الشركات الأمريكية بعد نجاح BBDO. في عام 1958، أجرت جامعة ييل تحت إشراف دونالد تايلور دراسة لمقارنة فعالية العصف الذهني الجماعي بالعصف الذهني الفردي. ومع ذلك، وجد أن الدراسة تعاني من نقص في الالتزام بقواعد أوزبورن، وكذلك قلة المشاركين في المجموعات. تبع ذلك العديد من الدراسات، واستخلصت النتائج أن العصف الذهني الفردي يمكن أن يكون أكثر فاعلية في بعض الأحيان، مما أدى إلى ظهور أفكار جديدة حول تركيز العصف الذهني على إنتاج أفكار ذات جودة بدلاً من التركيز فقط على الكمية.

بمرور الوقت، بدأت شعبيته بين الأكاديميين في الانخفاض مع استمرار الدراسات. ومع ذلك، ظهرت بعض الممارسات التي تجمع بين أسلوب أوزبورن وأسلوب ييل، حيث اقترح أوزبورن أن يتم استخدام العصف الذهني الفردي قبل وبعد الجلسات الجماعية لتعزيز الفهم والمشاركة. في عام 1998، استعرض سكوت إسكسن (Scott G. Isaksen) خمسين دراسة حول العصف الذهني خلال الفترة من 1958 إلى 1988، ووجد أن معظمها لم يلتزم بالقواعد المقترحة من قبل أوزبورن، مما أدى إلى رؤية جديدة حول نهج العصف الذهني.

القواعد الأساسية للعصف الذهني

نشأ تطوير أليكس أوزبورن لمفهوم العصف الذهني من تأثره بنظريات التفكير الإبداعي. وضع أوزبورن أربع قواعد أساسية لجلسات العصف الذهني، وهي:

  • التركيز على الكم: حيث تهدف هذه القاعدة إلى توليد أكبر عدد ممكن من الأفكار خلال جلسة العصف الذهني دون النظر إلى جودتها أو فعاليتها.
  • تجنب النقد: حيث أن هذه القاعدة تدعونا إلى عدم توجيه أي نقد لأي فكرة تُطرح، وتأجيل الحكم عليها حتى الانتهاء من العملية.
  • تقبل الأفكار الجديدة: حيث يتم تشجيع جميع الأفكار، حتى غير التقليدية منها.
  • تطوير ودمج الأفكار: حيث يتم دمج الأفكار المطروحة وتحسينها.

أنواع العصف الذهني

هناك نوعان رئيسيان من العصف الذهني: العصف الذهني الفردي (Individual Brainstorming) والعصف الذهني الجماعي (Group Brainstorming). يتميز كل نوع بخصائصه الفريدة، فالعصف الذهني الفردي يُعتبر أكثر فعالية في توليد أفكار عالية الجودة، خاصة للمشكلات العادية. حيث يتيح للشخص التحلي بحرية فكريّة أكبر دون أي تأثيرات خارجية. من المهم أن يتم ذلك في بيئة مريحة وخالية من التشتت لتعزيز التركيز وأثراً إيجابياً على الإبداع وتنظيم الأفكار.

أما العصف الذهني الجماعي، فيكون أكثر فعالية في حل المشاكل المعقدة. إذ يسمح بتبادل الأفكار والمشاركة في الإبداع، لكن يجب الحرص على تنظيم المشاركين في مجموعات صغيرة (بين خمسة إلى سبعة أشخاص) لضمان فعالية أكبر. ومع ذلك، قد تتعرض بعض الأفكار للانتقادات مما قد يعوق الإبداع، وظهرت فكرة “الحجب” (Blocking) حيث يميل الأفراد للتركيز على أفكار الآخرين بدلاً من اقتراح أفكارهم، مما قد يؤدي إلى نسيانها.

كيفية إعداد جلسة عصف ذهني

العصف الذهني الجماعي

قبل البدء في أي جلسة عصف ذهني جماعية، يجب الالتزام بالقواعد الأربعة التي وضعها أوزبورن. تُلخص هذه القواعد في ضرورة توليد أكبر عدد من الأفكار، وتجنب انتقاد أي فكرة خلال الجلسة، وتشجيع الأفكار غير التقليدية، وتطوير هذه الأفكار. هناك خطوات محددة تُساعد في تنظيم جلسة جماعية، تشمل:

  • تعيين شخص مسؤول لإدارة الجلسة.
  • تحديد المشكلة المستهدفة بوضوح.
  • وضع قواعد عامة مثل السماح بمشاركة الجميع وتسجيل الأفكار وفرض وقت محدد لإنهاء الجلسة.
  • الانطلاق في عملية العصف الذهني مع تشجيع الابتكار.
  • تدوين كل الف ideas بانتظام وتجنب أي انتقاد.
  • تقييم الأفكار من خلال تصويت لاحق ودمج الأفكار المتشابهة.
  • مناقشة الأفكار المتبقية بعد حصرها.

العصف الذهني الفردي

لإعداد جلسة عصف ذهني فردي، يمكن للفرد أن يقوم بتدوين أفكاره وتجميع الحلول المقترحة لمشكلة معينة، مع تنمية هذه الأفكار بعقل مفتوح ثم مراجعتها لاكتشاف أفكار جديدة. بعد ذلك، يتم اختيار أفضل الحلول المناسبة لهذه المشكلة.

التقنيات المستخدمة في العصف الذهني

توجد عدة تقنيات يمكن استخدامها في عمليات العصف الذهني، منها:

  • الكتابة الحرة: حيث يتم كتابة كل الأفكار دون النظر إلى دقتها، ثم اختيار الأفكار المفيدة.
  • القوائم: حيث تُقسم المشكلة إلى قائمتين واحدة تدعم الفكرة وأخرى تعارضها، لتسهيل اختيار الأجود.
  • وجهات النظر: حيث يتم النظر إلى المشكلة من زوايا مختلفة لتعزيز الفهم الشامل.
  • التكعيب: وهذا يعتمد على دراسة الموضوع من عدة جوانب كالوصف والتحليل.
  • خريطة الأفكار: تتضمن كتابة الفكرة الأساسية في وسط الورقة وتدوين الأفكار المرتبطة حولها.
  • الأجزاء: حيث تقسم الفكرة إلى فروع وأجزاء للتمكن من ارتباط الأفكار.
  • الأسئلة الصحفية: مثل “من؟ ماذا؟ متى؟ أين؟ لماذا؟ كيف؟” لتوليد أفكار جديدة.
  • التفكير خارج الصندوق: بالبحث عن مفاهيم جديدة ومبتكرة.
  • الأشكال والرسوم البيانية: لإظهار الأفكار بشكل بصري جذاب.
  • التركيز على الهدف والجمهور: من خلال تحديد الجمهور المستهدف والأهداف المطلوبة.
  • استخدام مصادر المعرفة: لتوسيع الأفق والبحث عن أفكار جديدة من مصادر متنوعة.
Scroll to Top