أخلاق النبي محمد ﷺ
قدم النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- نموذجاً رائداً في الأخلاق الحميدة، حيث تجمعت فيه أفضل الصفات ومكارم الأخلاق. وقد شهد الله تعالى له بشيء لم يشهد به لأحدٍ قبله، حيث قال: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ). عرف النبي -عليه الصلاة والسلام- بالصدق، إذ كانت قريش تطلق عليه لقب “الصادق الأمين” في زمن الجاهلية. إضافةً إلى ذلك، اشتهر بالكرم، حيث كان ينفق بسخاء في سبيل الله رغم قلة ما يملك. فقد جاءه ذات يوم رجل يسأله، فأعطاه قطيعاً من الأغنام، مما جعله يعود إلى قومه قائلاً: “أسلموا، فإن محمدًا يعطي عطاءً من لا يخشى الفقر”. كما أنكر على نفسه أي طلب للمساعدة؛ فقد ورد أنه استقبل تسعين ألف درهم وضعها على حصيرة وقام بتوزيعها على الناس دون أن يرد سائلاً واحداً حتى فرغ منها. وكان -عليه الصلاة والسلام- أعدل الناس وأصبرهم وأرحمهم، وتميز بالشجاعة عند مواجهة الأعداء.
تعامل النبي محمد مع اليهود
أظهر النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- صدقاً وأمانة في تعامله مع اليهود، حيث أبرم معهم وثيقة صلح تضمنت العديد من البنود والهدايا، من أبرزها أن اليهود أمة واحدة مع المسلمين، مع حق كل فئة في ممارسة شعائرها، وفرض النفقة على المسلمين واليهود، إضافةً إلى ضرورة التعاون من أجل نصرة المظلوم والدفاع عن المدينة المنورة. لكن اليهود خالفوا عهدهم، وفيما يلي توضيح لأسلوب النبي في التعامل مع قبائل اليهود في المدينة:
- يهود بني قينقاع: كان بنو قينقاع من أقوى القبائل اليهودية، حيث كانت لهم منطقة سكن خاصة بهم في المدينة. عُرفوا بمحاولاتهم المتكررة لاستفزاز المسلمين عبر السخرية والتعرض للنساء في السوق. وعلى الرغم من صبر النبي -صلى الله عليه وسلم- ودعوته لهم للإسلام، إلا أنهم استمروا في تماديهم. في أحد الأيام، تعرّضت امرأة مسلمة لاعتداء، مما أدى إلى وقوع حادثة قُتل فيها أحد اليهود، تبعها قتل المسلم الذي دافع عن المرأة. وعندما بلغ الأمر النبي، أمر بتجهيز المسلمين للقتال، وحاصرهم لمدة خمسة عشر يوماً، حتى تدخل عبدالله بن أبي بن سلول وتوسط لهم، فقبل النبي بأخذ أموالهم وإجلائهم إلى الشام.
- يهود بني النضير: سار يهود بني النضير على خطى بني قينقاع في الغدر، وعندما ذهب إليهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بشأن دية القتيلين من بني عامر رحّبوا به، لكنهم خططوا لقتله. ويتلقى النبي الوحي الذي أخبره بمخططاتهم، مما دفعه لمغادرة ديارهم بسرعة. قرر بعد ذلك قتالهم وإخراجهم من المدينة بسبب غدرهم، وتم حصارهم لمدة خمسة عشر يوماً، ليخرجوا بعد ذلك وهم مخرّبين بيوتهم ويحملون بعض ممتلكاتهم.
تعامل النبي محمد مع النصارى
في السنوات الأخيرة من حياته، أبرم النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- العديد من الاتفاقيات مع النصارى، مثل معاهدة نصارى نجران، الذين جاء وفد منهم إلى المدينة للتفاوض معه. ضم الوفد ثلاثة رجال يمثلونهم، وهم: العاقب، السيد، والأسقف، وكانوا يرتدون الملابس الفخمة لجذب انتباه المسلمين. عند وصولهم، عرض عليهم النبي الإسلام، لكنهم ادعوا أنهم أسلموا قبله، وبالتالي حاول النبي توضيح أن معتقداتهم خاطئة، مبرزاً انحرافهم في فهم العقيدة، وموضحاً أن عيسى عليه السلام هو عبدالله وليس إبن الله. ورغم قوة حجته، أصر نصارى نجران على معتقداتهم الباطلة. دعاهم النبي -صلى الله عليه وسلم- للمباهلة، إلا أنهم تراجعوا لعلمهم بنبوته. في النهاية، قبل النبي بمصالحتهم على دفع الجزية وعدم قتالهم رغم قدرته على ذلك، سعيًا لإرساء السلام بين المسلمين وبقية الأمم.