تحليل معلقة عمرو بن كلثوم
فيما يلي تحليل شامل للمعلقة:
مطلع القصيدة
أَلا هُبّي بِصَحنِكِ فأصبحينا
:::وَلا تُبقي خُمورَ الأَندَرينا
مُشَعشَعَةً كَأَنَّ الحُصَّ فيه
:::إذا ما الماءُ خالَطَها سَخينا
تَجورُ بِذي اللُبانَةِ عَن هَواهُ
:::إِذا ما ذاقَها حَتّى يَلينا
تَرى اللَحِزَ الشَحيحَ إِذا أُمِرَّت
:::عَلَيهِ لِمالِهِ فيها مُهينا
صَبَنتِ الكَأسَ عَنّا أُمَّ عَمرٍو
:::وَكانَ الكَأَسُ مَجراها اليَمينا
وَما شَرُّ الثَلاثَةِ أُمَّ عَمرٍو
:::بِصاحِبِكِ الَّذي لا تَصبَحينا
وَكَأسٍ قَد شَرِبتُ بِبَعلَبَكٍّ
:::وَأُخرى في دِمَشقَ وَقاصِرينا
وَإِنّا سَوفَ تُدرِكُنا المَنايا
:::مُقَدَّرَةً لَنا وَمُقَدَّرينا
عند النظر في هذه الأبيات، يتبين أن الشاعر يخاطب والدة الملك طالبًا منها أن تهب إلى خدمته وأن تصب له الخمر النفيسة التي تتلألأ بجمالها. يُشير الشاعر إلى أن هذه الخمرة تُنسي صاحبها همومه وتجعله مائلًا تجاه الأقدار، لدرجة أن البخيل يمكن أن يصبح كريمًا في لحظة شربها.
وفيما بعد يخاطب الشاعر أم الملك بلا ألقاب، مناديًا إياها بأم عمر، ويعبر عن رغبته في أن تُقدم له الخمر كما فعلت مع الآخرين، ويأمل أن يتمتع بالشرب في المدن التي ذكرها، مثل بعلبك ودمشق، وهما من المدن المعروفة بتجارة الخمور. وينهي الشاعر المقطع بتأمل حكيم حول طبيعة الموت الذي يحل على جميع البشر.
قِفي قَبلَ التَفَرُّقِ يا ظَعين
:::نُخَبِّركِ اليَقينا وَتُخبِرينا
قِفي نَسأَلكِ هَل أَحدَثتِ صَرم
:::لِوَشكِ البَينِ أَم خُنتِ الأَمينا
بِيَومِ كَريهَةٍ ضَرباً وَطَعن
:::أَقَرَّ بِهِ مَواليكِ العُيونا
وَإنَّ غَداً وَإِنَّ اليَومَ رَهنٌ
:::وَبَعدَ غَدٍ بِما لا تَعلَمينا
تُريكَ إِذا دَخَلتَ عَلى خَلاءٍ
:::وَقَد أَمِنَت عُيونَ الكاشِحينا
في هذه الأبيات، يتذكر الشاعر أمجاد قبيلته، مخاطبًا امرأةً ويطلب منها أن تروي الحقائق. باستخدام كلمة “ظعينا”، يبدو أنه يشير إلى قبيلة بكر التي نشبت بينها حرب طويلة. يدعوها للاعتراف بالحقيقة ولتسمع ما حدث من خيانة، مشيرًا إلى خاله كليب الذي قُتل غدرًا، ويصف يوم المعركة بأنه كان يومًا قاسيًا، ويتوعدها بعواقب لا تعلمها.
لوحة الناقة
ذِراعَي عَيطَلٍ أَدماءَ بِكرٍ
:::هِجانِ اللَونِ لَم تَقرَأ جَنينا
وَثَدياً مِثلَ حُقِّ العاجِ رَخص
:::حَصاناً مِن أَكُفِّ اللامِسينا
وَمَتنَي لَدنَةٍ سَمَقَت وَطالَت
:::رَوادِفُها تَنوءُ بِما وَلينا
وَمَأكَمَةً يَضيقُ البابُ عَنه
:::وَكَشحاً قَد جُنِنتُ بِهِ جُنونا
وَساريَتَي بَلَنطٍ أَو رُخامٍ
:::يَرِنُّ خُشاشُ حَليِهِما رَنينا
فَما وَجَدَت كَوَجدي أُمُّ سَقبٍ
:::أَضَلَّتهُ فَرَجَّعَتِ الحَنينا
وَلا شَمطاءُ لَم يَترُك شَقاه
:::لَها مِن تِسعَةٍ إَلّا جَنينا
تَذَكَّرتُ الصِبا وَاِشتَقتُ لَمّ
:::رَأَيتُ حُمولَها أُصُلاً حُدينا
فَأَعرَضَتِ اليَمامَةُ وَاِشمَخَرَّت
:::كَأَسيافٍ بِأَيدي مُصلِتينا
في هذه الأبيات، يتحدث الشاعر عن ناقته، وهي عنصر أساسي في الشعر العربي القديم. الناقة التي يتحدث عنها تتميز بجمالها وقوتها، وهي ضعيفة النسب عند المقارنه بالأولين. مع ثديين محميين، تُعد هذه الناقة تجسيدًا للفخر، وفقًا للمفاهيم الثقافية للعرب في ذلك الزمن.
لوحة الفخر والحرب
أَبا هِندٍ فَلا تَعَجَل عَلَينا
:::وَأَنظِرنا نُخَبِّركَ اليَقينا
بِأَنّا نورِدُ الراياتِ بيض
:::وَنُصدِرُهُنَّ حُمراً قَد رَوينا
وَأَيّامٍ لَنا غُرٍّ طِوالٍ
:::عَصَينا المَلكَ فيها أَن نَدينا
وَسَيِّدِ مَعشَرٍ قَد تَوَّجوهُ
:::بِتاجِ المُلكِ يَحمي المُحجَرينا
تَرَكنا الخَيلَ عاكِفَةً عَلَيه
:::مُقَلَّدَةً أَعِنَّتَها صُفونا
وَأَنزَلنا البُيوتَ بِذي طُلوحٍ
:::إِلى الشاماتِ تَنفي الموعِدينا
وَقَد هَرَّت كِلابُ الحَيِّ مِنّا
:::وَشذَّبنا قَتادَةَ مَن يَلينا
مَتى نَنقُل إِلى قَومٍ رَحان
:::يَكونوا في اللِقاءِ لَها طَحينا
يَكونُ ثِفالُها شَرقِيَّ نَجدٍ
:::وَلُهوَتُها قُضاعَةَ أَجمَعينا
نَزَلتُم مَنزِلَ الأَضيافِ مِنّا
:::فَأَعجَلنا القِرى أَن تَشتُمونا
قَرَيناكُم فَعَجَّلنا قِراكُم
:::قُبَيلَ الصُبحِ مِرداةً طَحونا
نَعُمُّ أُناسَنا وَنَعِفُّ عَنهُم
:::وَنَحمِلُ عَنهُمُ ما حَمَّلونا
نُطاعِنُ ما تَراخى الناسُ عَنّه
:::وَنَضرِبُ بِالسُيوفِ إِذا غُشينا
بِسُمرٍ مِن قَنا الخَطِّيِّ لُدنٍ
:::ذَوابِلَ أَو بِبيضٍ يَختَلينا
كَأَنَّ جَماجِمَ الأَبطالِ فيه
:::وُسوقٌ بِالأَماعِزِ يَرتَمينا
نَشُقُّ بِها رُؤوسَ القَومِ شَقّ
:::وَنُخليها الرِقابَ فَتَختَلينا
وَإِنَّ الضِغنَ بَعدَ الضِغنِ يَبدو
:::عَلَيكَ وَيَخرِجُ الداءَ الدَفينا
وَرِثنا المَجدَ قَد عَلِمَت مَعَدٌّ
:::نُطاعِنُ دونَهُ حَتّى يَبينا
وَنَحنُ إِذا عَمادُ الحَيّ خَرَّت
:::عَنِ الأَحفاضِ نَمنَعُ مَن يَلينا
نَجُذُّ رُؤوسَهُم في غَيرِ بِرٍّ
:::فَما يَدرونَ ماذا يَتَّقونا
كَأَنَّ سُيوفَنا فينا وَفيهِم
:::مَخاريقٌ بِأَيدي لاعِبينا
كَأَنَّ ثيابَنا مِنّا وَمِنهُم
:::خُضِبنَ بِأَرجوانٍ أَو طُلينا
إِذا ما عَيَّ بِالإِسنافِ حَيٌّ
:::مِنَ الهَولِ المُشَبَّهِ أَن يَكونا
نَصَبنَا مِثلَ رَهوَةَ ذاتَ حَدٍّ
:::مُحافَظَةً وَكُنّا السابِقينا
بِشُبّانٍ يَرَونَ القَتلَ مَجد
:::وَشيبٍ في الحُروبِ مُجَرَّبينَا
تبدأ هذه الأبيات بفخر الشاعر بنفسه وبقبيلته، مخاطبًا الملك، معددًا إنجازاتهم في الحروب التي خاضوها، حيث يدخلون المعركة براياتٍ بيضاء ويعودون بهيئةٍ تثير الهمم، متحدثًا عن الأيام التي عصوا فيها الملوك وأنهم على أتم الاستعداد لأي مواجهة. هم قومٌ عزيزون، يقدمون الطعام لضيوفهم دون تردد، ويُظهرون جرأة في مجابهة الأعداء، مؤكدًا أن السيوف في أيديهم ليست سوى لعبة سهل التعامل معها.
تُعد هذه القصيدة واحدة من روائع الشعر العربي، مُعبرة عن الفخر القوي بالقبيلة والشجاعة، كما أنها تُبرزز الفروسية والعزة، مما جعلها من القصائد التي احتلت مكانة رفيعة في تاريخ الشعر العربي.
حول معلقة عمرو بن كلثوم
تعتبر معلقة عمرو بن كلثوم إحدى أبرز القصائد في تاريخ الشعر العربي، حيث تتجاوز هذه القصيدة المئة بيت وتتناول موضوعات متنوعة تعكس جانبًا من الحياة العربية وثقافتها في فترة غياب التدوين. وقد استطعنا فهم أسرار هذه القصيدة من خلال قراءتها بعناية.
يُذكر أن عمرو بن كلثوم نظم هذه القصيدة استجابة لمعاملة الملك عمرو بن هند السلبية تجاه العرب، والذي كان يسعى لإذلالهم. في أحد المجالس، طُلب منه الأمر بصوت عالٍ محاولاً ذلك إحراج عمرو بن كلثوم. ومع ذلك، قام شاعرنا بالدفاع عن كرامته وقام بقتل الملك، مما ألهمه لكتابة هذه المعلقة المشهورة.