دلالات التشابه العام
التشابه، في معناه الأصلي، يشير إلى التقارب بين شيئين أو أكثر إلى درجة تجعل من الصعب التمييز بينهما. ومع مرور الوقت، توسع معنى هذه الكلمة ليُطلق على كل ما يحمل غموضًا أو التباسًا في معناه الذي يود قائله توضيحه، أو صعوبة في فهم حقيقته. ولتوضيح ذلك، سوف نتناول أمثلة توضح النوعين:
- مثال على النوع الأول
عند قولك: “فلان يشبه فلاناً”، فإنك تعني أن هناك تماثلاً بينهما، سواءً في صفاته الحسية مثل الجسم أو الوجه أو اليد أو العين، أو في صفاته المعنوية مثل الكرم والشجاعة والخوف والجبن.
- مثال على النوع الثاني
إذا قلت: “اشتبه عليه الأمر”، فهذا يعني أن الأمر أصبح غامضًا، وهذا مشابه لما يقال عند الإشارة إلى شخصٍ بأنه “مشبوه” أو “مشتبه به” عندما تكون براءته من الجريمة محل التباس، ولم يتم حسم موقفه بين الإدانة أو العفو.
يمكن أن نجمع بين المعنيين من خلال العلاقة بين التشابه والتماثل، إذ إن التقارب بين الأشياء قد يؤدي إلى عدم قدرتنا على تمييزها، مما يتسبب في التردد حول اتخاذ القرار النهائي بشأنها. ومثال ذلك في القرآن الكريم يتضح فيما يلي:
- قول الله -تعالى- في وصف ثمار الجنة بين يدي أهلها: (وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا)، حيث تجمع ثمار الجنة بين كونها مشابهة لثمر الدنيا من حيث الشكل ولكنها تتفوق عليها جمالاً في الطعم والرائحة، مما يجعل الإنسان يشعر بالسعادة عند رؤيتها لأنها مألوفة له، وإن كانت أفضل مما تعود عليه.
- قوله -تعالى- حكايةً عن بني إسرائيل: (إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا)، حيث طلب بنو إسرائيل من نبيهم توضيح صفات البقرة التي أرادوا ذبحها، نظرًا لكثرة البقر الذي يحمل الصفات المذكورة، مما جعلهم يترددون في اختيار الأنسب.
- قوله -تعالى- عن الذين ينسبون لله الأبناء والبنات من شعوب مختلفة: (تتَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ)، مما يدل على تقارب قلوب وأفكار أولئك القوم في الضلال والجهل.
دلالة التشابه الخاص
تباينت آراء العلماء حول مفهوم التشابه الخاص، الذي يعارض المُحكم، خصوصًا في الآيات التي وردت في قوله -تعالى-: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَات). وفيما يلي أبرز التفسيرات المتعلقة بالآيات المتشابهات:
- الآيات التي اختص الله -تعالى- بعلمها.
- الآيات التي يتعدد تفسيرها في أكثر من اتجاه.
- الآيات العقيدية التي يؤمن بها المؤمنون ولا تُعنى العمل بأحكامها.
- الآيات التي ليس معناها واضحًا بذاته وتحتاج إلى تفسير.
- الآيات التي تتطلب تدبرًا عميقًا لفهمها.
- الآيات التي تحتوي على أخبار وقصص.
- الآيات المنسوخة.
- الآيات التي دلالتها لا تُرجح، نظرًا لعدم وضوح ألفاظها وتراكيبها، كالآيات المؤولة والمشكلة.
أقسام المتشابه في آيات القرآن الكريم
يمكن تصنيف الشروط المتعلقة بالتشابه في آيات القرآن من حيث وضوح المعنى وغموضه إلى ثلاثة أقسام، سيتم توضيحها فيما يلي:
- القسم الأول
الآيات التي لا يمكن لأحد من البشر إدراك معناها، كالإحاطة بعلم الله -تعالى- أو اليقين بحقيقته وصفاته، أو المعرفة المطلقة بوقت يوم القيامة، وغيرها من الأمور الغيبية التي اختص الله بعلمها، كما يتضح من قوله: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ)، وأيضًا قوله: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ).
- القسم الثاني
الآيات التي يستطيع من يمتلك معرفة بسيطة باللغة العربية وفهم أساسيات الدين أن يستنتج معانيها من خلال التأمل والدراسة، خاصة إذا كان عارفًا بكيفية التعامل مع المتشابهات التي قد تنتج عن إجمال الأحكام في مكان ما وتفصيلها في مكان آخر، أو ترتيبها كما هو الحال مع مراحل خلق الإنسان.
- القسم الثالث
الآيات التي يعرف العلماء المتخصصون تفسيرها وتركيباتها، والتي قد تكون صعبة الفهم للعامة بفضل ما يمتلكه هؤلاء العلماء من أدوات بحث علمي فريدة، وبعض المعاني قد يختص الله بفهمها البعض من عباده الذين يفتح على قلوبهم معانيها كجزء من تكريمهم على جهودهم في تدبر كلام الله.