تفسير سورة النازعات: فهم معاني ومحتوى السورة في القرآن الكريم

القسم بالملائكة وتأكيد حدوث البعث

يقسم الله -سبحانه وتعالى- بالملائكة، وإيمانها المطلق به، لتأكيد وقوع البعث، ويظهر ذكرها كما يلي:

  • (وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا)، وهي الملائكة المسؤولة عن قبض الأرواح، حيث تقوم بنزعها بقوة.
  • (وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا)، وهي الملائكة التي تتسم بالنشاط في نزع أرواح الكفار.
  • (وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا)، تشير إلى الملائكة التي تتنقل في السماء بصعودها ونزولها.
  • (فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا)، وهي الملائكة التي تسابق في تنفيذ أوامر الله ونشر الوحي.
  • (فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا)، وهي الملائكة التي تٌوكل إليها مهمات خاصة، مثل تدبير شؤون الجنة والنار.

توصيف حال المشركين يوم البعث

تستعرض الآيات بعض الأحداث المذهلة التي تترافق مع يوم البعث، ومن ضمنها:

  • (يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ)، ويعني ذلك اهتزاز الأرض بشكل عنيف وموت جميع من عليها في النفخة الأولى.
  • (تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ)، تشير إلى النفخة الثانية التي تعيد إحياء الخلق بعد موتهم الناتج عن النفخة الأولى.
  • (قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ)، تعكس حالة الاضطراب والخوف في قلوب المنكرين للبعث.
  • (أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ)، تعبر عن انكسار أبصار هؤلاء المكذبين واستسلامها.
  • (يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ)، تذكرهم بحالتهم في الدنيا حين سخروا من فكرة البعث والمحاسبة.
  • (أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً)، تبيّن مدى تعجبهم من إمكانية العودة بعد أن تحولت عظامهم إلى رميم.
  • (قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ)، يعترفون بأن عودتهم إلى الحساب ستكون خاسرة نتيجة جحودهم في الدنيا.
  • (فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ)، يؤكد الله -سبحانه- أن إعادة البعث يسيرة، مجرد صيحة واحدة تكفي لإقامة القيامة.
  • (فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ)؛ يعني أنهم سيعودون أحياءً على الأرض بعد الموت، وهي تشير إلى أرض المحشر.

قصة موسى مع فرعون

قال تعالى: (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى* إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً* اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى* فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى* وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشى* فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى* فَكَذَّبَ وَعَصَى* ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعى* فَحَشَرَ فَنادى* فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى* فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى* إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى).

توجه الآيات بالخطاب إلى الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم-، ليسلط الضوء على خبر موسى -عليه السلام-، من خلال منادة الله له في الوادي المقدس، حيث يُأمر بالذهاب إلى فرعون الذي تمرد وتكبر، ليدعوه إلى التطهر من الضلال وكفره بعبادة الله والإيمان به.

تمت صياغة هذه السياق على شكل سؤال كوسيلة لجذب الانتباه ولطف في الدعوة، حيث ذهب موسى إلى فرعون ليظهر له آيات عظيمة تُثبت صدقه، لكن فرعون أصر على الكفر وكذب ما جاء به، وبدأ يدبر المكائد بجمع السحرة لمواجهة معجزات موسى.

جاء العقاب الإلهي على فرعون في الدنيا قبل الآخرة، وبذلك كانت هذه القصة عبرة لمن يتجاهل دعوة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، حتى يدركوا أن العذاب قد يأتيهم في الدنيا كما في الآخرة.

إثبات قدرة الله على البعث

قال تعالى: (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاءُ بَناها* رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها* وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها* وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها* أَخْرَجَ مِنْهَا ماءَها وَمَرْعاها* وَالْجِبالَ أَرْساها* مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ).

تواصل الآيات مخاطبة الكافرين لتقديم الأدلة الربانية التي تسلط الضوء على سهولة البعث يوم القيامة، ومنها:

  • خلق السماء ورفعها، وجعلها كالسقف فوق الأرض، حيث أودع فيها الكواكب وحدد مداراتها بدقة، وهذا يجعل من البعث سهلاً على الله.
  • تحويل الليل إلى ظلام بعد مغيب الشمس، وإضاءة النهار بالشمس الساطعة.
  • تسوية الأرض وتمدها لتسهيل الحياة عليها، وتهيئة الماء والنبات لتصبح موارد للبشر والمخلوقات.
  • تثبيت الجبال لتكون أوتاداً، وكل هذه النعم لتوفير الفائدة للجميع.

جزاء الناس في الآخرة

قال تعالى: (فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى* يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى* وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى* فَأَمَّا مَنْ طَغَى* وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيا* فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى* وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى* فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى).

تصنّف الآيات الناس يوم القيامة إلى فئتين: الذين طغوا وتجبروا، والذين أخذوا بأسباب الخوف والتذكر. ففي يوم الحساب، يتذكر كل فرد ما فعله في الدنيا عند مراجعة صحائف أعمالهم، فالأشخاص الذين اتبعوا شهواتهم ولم يستعدوا للآخرة، مصيرهم نار جهنم، بينما الذين اتقوا ربهم وخافوا عقابه، فإن الجنة هي مأواهم.

موعد الساعة

تنتهي السورة بالتطرق إلى الساعة وآخر لحظاتها، وما يتعلق بعلم النبي -صلى الله عليه وسلم- بشأنها، كما يلي:

  • (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها)، حيث يتساءل الناس عن موعد حدوث القيامة.
  • (فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها)، في إشارة إلى أن علم الساعة لا يعرفه النبي -صلى الله عليه وسلم- ليبشرهم بذلك.
  • (إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها)، بمعنى أن علمها يعود إلى الله وحده.
  • (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها)، وهذا يعني أن مهمة النبي تقتصر على التحذير لمن يخاف الساعة ويستعد لها.
  • (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها)، تُظهر رد فعل المكذبين يوم القيامة كأنهم لم يعيشوا إلا لحظات قليلة.

خلاصة المقال: تتناول سورة النازعات مواضيع هامة، بدءاً بقسم الله بالملائكة وتأكيد وقوع البعث، بالإضافة إلى تقديم الأدلة على ذلك، وتحذير الناس من الحساب، وكذلك بشارتهم بالجزاء، لتوضح حال المشركين وحال المؤمنين المتقين.

Scroll to Top