تحليل رواية “عزازيل” من منظور تاريخي

التحليل الموضوعي لرواية عزازيل

تأليف الروائي يوسف زيدان، تُعتبر رواية عزازيل العمل الثاني والأكثر شهرة له، وتُعد واحدة من الروايات العربية النادرة التي تستكشف أسرار اللاهوت المسيحي. صدرت هذه الرواية عن دار الشروق وترجمت إلى العديد من اللغات العالمية. يُعبر اسم الرواية “عزازيل” عن الترجمة العبرية لإسم إبليس، وتستند أحداث الرواية إلى محتويات مخطوطات اكتُشفت مدفونة أمام أنقاض دير في مدينة حلب.

وتتضمن هذه المخطوطات مذكرات راهب مصري يُدعى هيبا، عاش فترة من الصراعات الكنسية، وهي الفترة التي تم فيها إعلان المسيحية كديانة رسمية في مدن مثل القسطنطينية وروما ومصر وغيرها.

تدور الرواية حول 30 ورقة كتبها الراهب هيبا، حيث يبدأ بسرد قصة انتقاله إلى الإسكندرية، بحثًا عن جذور المسيحية ورغبته في تعلم الطب. ثم يتنقل إلى القدس ومن ثم إلى حلب. في كل محطة، يسرد هيبا الأحداث التي وقعت بين الكنائس الكبرى وتأثيرها على حياة المسيحيين.

يقف القارئ أمام رواية غنية بالحبكات المتعددة؛ بدايةً من عقدة الطفولة وظلم الأم، وصولاً إلى مقتل الفيلسوفة هيباتيا على يد جنود الرب في الإسكندرية، وكذلك عزل نسطور بسبب عدم قبوله لألوهية المسيح، وانغماسه في تجارب الحب وأمر عزازيل له بالتدوين.

التحليل الأسلوبي لرواية عزازيل

تستند الرواية إلى أحداث تاريخية حقيقية، وتتميز بلغة الكاتب القوية والمليئة بالكلمات الجديدة والشعرية، مما قد يتطلب من القارئ في بعض الأحيان استخدام معجم لفهم معانيها. كما يتمكن الكاتب من دمج الجمل بطريقة تنقل تفاصيل واضحة بشكل مبهر، بينما تظل بسيطة وسهلة الفهم، رغم تصنيف الرواية كنمط تاريخي.

على الرغم من ذلك، لم يُقدم السرد بأسلوب ممل ورتيب. بالإضافة إلى ذلك، تتناول الرواية مواضيع جنسية، لكن فلسفة زيدان في تناول الجنس تكمن في اعتزال الراهب للملذات الحياتية، مما يعكس بشريته وتعرضه للخطأ والمشاكل.

الاستعارة والصور الفنية في رواية عزازيل

تتسم الرواية بكثرة الصور الفنية، حيث تمثل شخصية الراهب هيبا صوت العقل الذي يتألق في خبايا الفكر اللاهوتي المسيحي خلال فترات الصراع الفكري. فهو يمثل العقل والحكمة والمعرفة والجمال.

وبالمثل، تعتبر شخصية العالمة هيباتيا تجسيدًا للحكمة والمعرفة والجمال؛ فهي المرأة الجميلة والعاشقة التي يشعر الراهب هيبا بالشوق للقائها. وعندما يصور الكاتب مغادرة هيبا لوطنه هربًا من عار زواج والدته الوثنية، فإنه يوظف رمزًا يجسد اغتصاب الأوطان باسم المقدس.

الحوار والسرد في رواية عزازيل

استفاد يوسف زيدان من الأحداث التاريخية الحقيقية لتقديمها في شكل حوارات موجزة ووافية. كما نُسقت الصفحات بطريقة تجعل القراءة ممتعة، تتضمن الرواية حوارات بين الشخصيات، بالإضافة إلى حوارات داخلية حيث يتحدث بطل الرواية إلى نفسه حول ما يحدث من حوله.

بالإضافة إلى ذلك، سَرد الكاتب الأحداث بتفصيل ليمنح القارئ معلومات وافية دون الشعور بالرتابة. ويُعد وصفه للشخصيات الرئيسية والثانوية عنصرًا يجذب القارئ للتعلق ببعض هذه الشخصيات وابتعاده عن شخصيات أخرى بسبب أفعالهم. كما استخدم زيدان تقنية استعادة الأحداث (Flashback) ليعبر عن تجارب مرت بها الشخصيات.

آراء النقاد حول رواية عزازيل

تتعدد آراء النقاد حول رواية عزازيل، ومن أبرز هذه الآراء:

الكاتب عادل سعد

يعارض الكاتب عادل سعد محاولات زيدان في عزازيل لهدم مفاهيم الكنيسة وكشف فساد عقائدها، مثل بحثه في طبيعة السيد المسيح اللاهوتية، وعلاقتها بأسطورة ديونيسا التي تحمل الطبيعة البشرية والإلهية، مما يُثير الشك حول ألوهية المسيح.

الكاتب الأنبا بيشوي

في كتابه “الرد على البهتان في رواية يوسف زيدان”، يقدم الأنبا بيشوي توضيحات لاهوتية تاريخية تهدف لتصحيح الأخطاء في سرد زيدان، ويعتبر أن من حق رجال الدين التدخل في هذا النوع من الأدب؛ نظرًا لتناول الكاتب شخصيات حقيقية وأحداث تضر بسمعة الكنيسة وعقائدها.

الدكتور علاء هاشم مناف

يرى الدكتور علاء أن رواية عزازيل توثق تجارب اللاهوت المسيحي، وعلاقته بالممارسة والعقائد والخطايا، وتفحص المصادر التاريخية وتوظف الزمان والمكان بشكل سردي مميز.

تعتبر رواية عزازيل واحدة من الروايات المصرية البارزة التي تسلط الضوء على مجموعة من اللفائف المكتوبة باللغة السريانية، والتي أُودعت في صندوق خشبي محكم في منطقة الآثار حول قلعة القديس سمعان العمودي بحلب، حيث كُتبت في القرن الخامس الميلادي وعُثر عليها بحالة نادرة، وتمت ترجمتها من السريانية إلى العربية.

Scroll to Top