تاريخ الجغرافيا الاقتصادية
ظهر مفهوم الجغرافيا الاقتصادية بفضل العالم جوتز الذي أرسى مبدأ السببية في دراسة موارد الثروة. وفيما يلي عرض لتاريخ الجغرافيا الاقتصادية منذ القرن الخامس عشر حتى الوقت الحالي:
المرحلة الواقعية (الجغرافيا التجارية)
تشير هذه المرحلة إلى الفترة التي تلت عصر الاكتشافات الجغرافية، وامتدت لقرون أربعة حتى بداية الثورة الصناعية. وقد ركزت على عمليات التبادل التجاري، مما دفع القوى السياسية إلى السعي للسيطرة على التجارة الدولية، خاصة في مناطق الإنتاج. ساهم كل من تشيسهولم في إنجلترا وهويت بك ورسل سميث في الولايات المتحدة في تزايد أهمية هذه المرحلة.
إلى جانب تركيزهم على التجارة والإنتاج، نمت أيضًا أهمية دراسة خطوط التجارة وحركة السلع. تعتبر هذه المرحلة الأكثر تأثراً بدراسة العلاقة بين ظروف البيئة الطبيعية وأشكال الإنتاج المرتبطة بالتجارة الدولية، وهو ما يطلق عليه منهج الحتمية البيئية. أعقبت هذه المرحلة عصر الاكتشافات بهدف العثور على أسواق جديدة للإنتاج والحصول على المواد الخام بكميات كبيرة.
مرحلة الثورة الصناعية
تمتد هذه المرحلة من بداية القرن التاسع حتى الثمانينيات من القرن الماضي. أدت نجاحات الثورة الصناعية إلى زيادة إنتاج السلع المصنعة. نتج عن هذا النجاح بروز فكرة جديدة للتوسع الاستعماري، وبرز مفهوم الجغرافيا الاقتصادية ضمن الأبحاث الجامعية الأمريكية مع إدخال العوامل الاقتصادية والاجتماعية والبشرية. كما تم تقسيم الجغرافيا الاقتصادية إلى تخصصات إنتاجية مختلفة خلال هذه الفترة.
مرحلة ثورة النقل والتجارة والاتصالات الإلكترونية
تمتد من نهاية المرحلة السابقة وحتى الوقت الراهن، حيث شهدت تحولًا في نمط التجارة العالمية، مع انتشار النقل بالحاويات، والعولمة، والخصخصة، وتطور أنماط النقل. كما أدت هذه المرحلة إلى بروز التجارة الإلكترونية، وجغرافيا الاتصالات، وجغرافيا الخدمات، مما ساهم في تزايد التكتلات الاقتصادية.
يجدر بالذكر أن تسعينيات القرن الماضي شهدت انهيار العديد من الأنظمة وفصل عدة دول بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، مما تسبب في زيادة استخدام التكنولوجيا والاتصالات وتطور السلع المعرفية؛ مما أدى إلى ظهور مفهوم الجغرافيا الاقتصادية الجديدة.
مفهوم الجغرافيا الاقتصادية وأهدافها
تعتبر الجغرافيا الاقتصادية مجالًا لدراسة العلاقة بين العمليات الاقتصادية وبيئاتها، بالإضافة إلى تأثيراتها على تشكيل المناطق الصناعية والتغيرات الإقليمية. وتعتبر الجغرافيا الاقتصادية واحدة من أكثر التخصصات الفرعية تنوعًا وحيوية في الجغرافيا البشرية، حيث تسعى لوصف وشرح المواقع والمساحات المختلفة التي يتم فيها تنفيذ الأنشطة الاقتصادية.
بينما يعتبرها البعض علمًا يركز على الظروف الجغرافية المؤثرة في إنتاج السلع وتداولها، ينظر آخرون إليها كعلم يدرس توزيع الأنشطة الإنتاجية على سطح الأرض. ومن ثم، فإنها تعتبر الأكثر ديناميكية مقارنة بفروع الجغرافيا الأخرى بسبب التغيرات العالمية الحالية وتنوع الاهتمامات البحثية ومناهجها، بالإضافة إلى استخدام نظم المعلومات الجغرافية.
تهدف الجغرافيا الاقتصادية إلى توضيح الأسباب وراء اختيار الأنشطة الاقتصادية لمواقع معينة دون غيرها. وهذا يقود في النهاية إلى تشكيل تكتلات اقتصادية قادرة على إنتاج وتبادل كميات كبيرة من السلع في أماكن محددة، مما يؤدي إلى تطورات متفاوتة في مناطق مختلفة.