تعبير كتابي عن مفهوم الوطن وأهميته لطلاب المرحلة الإعدادية

وطني تراب من ذهب

كان الوطن دائماً اللفظة الأولى التي نشأتُ على حبها منذ طفولتي، حيث نسجت حوله الكثير من الخيالات. وفي سنّ السادسة، كنت أجد نفسي جالسًا تحت شجرة التين مع جدتي التي لم تكن تفهم من معاني الوطن سوى حبّ الأرض التي تربت عليها. كانت تُنسج بيديها خصلات من شعرها الذهبي لتتماوج فوق الأعشاب التي تفضلت بالنمو عند مقعدها المعتاد. كانت تقول لي: “الوطن تراب من ذهب”، لكن في تلك الفترة من حياتي لم أكن أدرك المغزى من هذه العبارة. كيف يمكن أن يتساوى التراب مع الذهب؟ كنت ألمس التراب بشكل يومي، ولكن لم تَسنح لي الفرصة لملامسة الذهب حتى ذلك الحين.

ربما لم تكن المفاهيم قد اكتملت بعد، لكن حب الوطن قد تنمو بداخلنا منذ البدايات. كنا نستمد حبّ وطننا من طعامنا وشرابنا، وعندما أراد أحدنا التفاخر، كان يُفاخر بخصوبة أرضه وامتدادها. وعندما بدأنا نكبر، حينما انتقلنا من السادسة إلى التاسعة والعاشرة، أدركنا أن قيمة أي أرض لا تتحقق إلا عندما يكون لدينا ما نزرعه ونجنيه، ونتبادل مع الآخرين حب الوطن كما نتبادل كأس الشاي تحت ضوء القمر.

كنتُ طفلًا ألعب في بستان جدّي، الذي فضّل أن نبقى نستفيد من خيرات الأرض بدلاً من بيعها. تلك الأرض كانت الفكرة الأولى التي نشأت في داخلي، محققة مفهوم الوطن الأكبر. إن الوطن هو شيء لا يمكن تعليم محبته، فهو يختلط بحياتنا مثلما يمتزج الحليب مع لبن الأم. الآن أدركت فعلاً معنى “وطني تراب من ذهب”، فلو استثمر الإنسان أرضه ووطنه بشكل جيد، لكان أغلى من أي معدن يتلألأ.

وطني خارطة للقلب

بمرور الوقت، عندما أصبحت في الصف السادس من المرحلة الابتدائية، درسنا قصيدة لشاعر عاش ألوان الاغتراب ولم يجد وطنه سوى في كلمات ينسجها بين الحين والآخر. كان يتمنى ألا يغادر الناس أوطانهم، وأدركت أن تلك الكلمات كانت فوق طاقتي الفهم في ذلك الوقت، كيف يمكن للإنسان ألا يغادر أرضًا بات البقاء فيها صعبًا؟

لو تأملنا في النور الذي يدخل غرفتنا من شمس كل يوم، لفهمنا تعبير الشاعر عن الوطن. عندما كان معلم الجغرافيا يوجه أنظارنا نحو وطننا، كنت أعيش فيه مع عائلتي وماشيتنا وكل ما يتعلق بقريتنا البسيطة. الوطن الذي يحتضننا ويحفظ ذاكرتنا على مر الزمن، فأنت يا وطني خارطة القلب التي نحرص على حمايتها بكل ما أوتينا من قوة. إذا تطلب الأمر أن نضحي بأرواحنا من أجلك، فلن نتردد لحظة.

إذا سألنا أنفسنا: ماذا يعني الوطن؟ قد يجده البعض ملاذًا آمنًا يجمعه مع عائلته في تبادل للحكايات التراثية، بينما يرغب آخرون في الدفاع عنه بكل ما أوتوا من قوة. وإن كان الوطن لبعضهم رمزًا للأمل، فلا شك أن الوطن هو بوصلة القلوب جميعًا.

في وطني متسع للحب

كيف يمكن للحب أن يعيش بلا قلب ينبض من أجله؟ الوطن هو القلب الحنون الذي يُغني الجميع، حيث كل من يعيش على أرضه ينظر إلى الشمس التي تشرق من نافذته وكأنها نعمة لا تقدر بثمن. كما قال ابن الرومي في حب الوطن:

ولي وطنٌ آليت ألا أبيعَهُ

وألا أرى غيري له الدهرَ مالكا

عهْدتُ به شرخَ الشبابِ ونعمةً

كنعمةِ قومٍ أصبحوا في ظِلالكَ

فقد ألفت النفس حتّى كأنه

لها جسد إن بان غودِرْتُ هالكا

وحبَبت أوطان الرجال إليهم

مآرب قضّاها الشباب هنالك

إذا ذكروا أوطانهم ذكّرتهمُم

عُهود الصبا فيها فحنّوا لذلكا

فالفخر بهذا الإبداع الذي أعاد ابن الرومي تجسيده من خلال بضع كلمات، لا يزال محتفظًا بمكانته في قلوب الناس حتى اليوم. الوطن هو الأم التي تربي أبناءها بلا تمييز، فإن جاع أحدهم، تبذل الشيء الغالي لتطعمهم كلهم. إذا قصرت الأم في عطاءها، فهل يبرر ذلك هجرانها؟

في صغري، رسمت خريطة وطني على شكل قلب وحددت فيها مكان منزلي، وكانت مائدة طعامنا تتسع للجميع. كنا نأكل من ثمرة واحدة وكأننا قبيلة واحدة متماسكة. تعلمنا كيف نشارك الحب والنضال من خلال زجاجة عصير نتقاسمها، إذ كانت دروس الحب واضحة على أرض الوطن.

تعلو الأوطان ببناء الأجيال

حب الوطن ليس مجرد كلمات تُقال. إنه يتطلب جهدًا وعملًا لبناء وطنٍ قوي. ليس كل ما يُقال يُعتبر دليلاً على حب الوطن، بل إن التحلي بالمهارات اللازمة لتطويره هو ما يعبر حقًا عن ذلك الحب. يجب على الجيل الجديد أن يكون واعيًا لأهمية الوحدة، وأن يتجاهل الفروقات التي قد تجعلهم ضعافاً.

لابد للناس من الانتفاض والتخلص من أوجاع الفشل، ويجب أن يكون العلم سلاحهم في مواجهة التحديات. كل واحد منا يمكنه أن يسهم في بناء وطنٍ يتألق بالإبداعات. فالمزارع يزرع، والمعلم يُشكّل العقول، والمهندس يبني، وكل ذلك لصالح وطن تسكنه الأفكار الجيدة. وطننا هو الأم التي قدمت لنا كل ما لديها، لذا يتوجب علينا أن نمدّ لها يد العون كلما احتاجت، فنحن جميعًا معنيون بنجاح وطننا.

لقراءة المزيد، انظر هنا: موضوع تعبير عن الوطن.

Scroll to Top