تاريخ المغول
يعود منشأ المغول إلى هضبة منغوليا، الواقعة في صحراء غوبي على حواف شمال الصين. لقد عاشت القبائل المغولية جنبًا إلى جنب مع قبائل أخرى، حيث شهدت هذه القبائل صراعات مستمرة، وخاصة مع التتار. كانت جميع هذه القبائل تتعبد للكواكب والأصنام، وكانت الديانة الشامانية سائدة بينهم، إذ تُقدس أرواح الأجداد وتقدم الحيوانات المفترسة كقرابين. رغم النزاعات القائم بين القبائل، تمكن المغول من التوحد وتأسيس أكبر إمبراطورية في التاريخ خلال فترة قصيرة. وقد امتدت الإمبراطورية المغولية من سيبيريا وبحر البلطيق في شمالها إلى أطراف الجزيرة العربية وبلاد الشام وفلسطين في الجنوب، بالإضافة إلى الجزر اليابانية والمحيط الهادئ من الشرق إلى قلب القارة الأوروبية من الغرب.
تُشير المصادر التاريخية إلى أن المغول كانوا ينقسمون إلى ستة قبائل رئيسية، شملت:
- قبيلة القيات الصغيرة، التي قدم منها جنكيز خان، وكانت تعيش في جبال قراقورم وضفاف الشعب العليا.
- قبيلة الأويرات، وهي قبيلة كبيرة العدد كانت تقيم في المنطقة الواقعة بين بحيرة بايكال ونهر أونن.
- قبيلة النّايمان، التي تعتبر من قبائل الأتراك التي يغلب عليها الطابع المغولي وكان موطنها في أقصى الغرب.
- قبيلة الكراييت، التي تعد من أقوى القبائل المغولية بين القرن الخامس والسادس للهجرة، وتقع في جنوب بحيرة بايكال والواحات الشرقية من صحراء غوبي.
- قبيلة الماركييت، التي كانت تمتلك جيشًا قويًا، وتعيش شمال بلاد الكراييت.
- قبائل التتار المعروفة بقوتها وجبروتها، بالإضافة إلى كونها من أكثر قبائل المغول رفاهية.
تأسيس دولة المغول
عانت القبائل المغولية من حالة من الاضطراب والفوضى، ورغم محاولات توحيدها، لم تحقق تلك المحاولات النجاح المطلوب. ويشير المؤرخون إلى أن جد المغول (بدانتسار) تمكن من الوصول إلى زعامة القبيلة بفضل دهائه، بينما عزز ابنه (قيدو) من سلطته وأخذ لقب خان، وهذه كانت بداية تأسيس مملكة المغول.
حين تولى جنكيز خان حكم المغول، تمكن من توسيع إمبراطوريته، حيث قسمها بين أبنائه من زوجته الأولى وفقًا لما نص عليه اليساق (تشريع المغول). فاحتفظ ابنه الأكبر جوجي بمناطق روسيا والقوقاز وخوارزم، بينما كانت تركستان الغربية وبلاد الأويغور (ولاية كانسو في الصين) تحت سيطرة ابنه جغطاي. كما خضعت بلاد خراسان وفارس، وكل ما يمكن ضمه من بلاد العرب وآسيا الصغرى لسلطة ابنه تولوي، بينما منح ابنه أوغطاي السيطرة على بلاد المغول والخطا (تركستان الشرقية) والصين.
المغول والمسلمين
مع استقرار الأوضاع في الإمبراطورية المغولية، بدأ جنكيز خان بالانتقام من أعدائه الذين هربوا منه، ثم واجه القوات الإسلامية، خاصة الدولة الخوارزمية التي شهدت توسعًا كبيرًا في عهد علاء الدين خوارزم شاه. وتمكن جنكيز خان من تدمير الدولة الخوارزمية، وهزيمة جيوشها وسلطانها وسكانها. خلال غزوه للشرق الإسلامي، عانى المسلمون من مذابح شتى، وتم تدمير كل ما صادفه جنكيز خان في البلاد الإسلامية.
بعد وفاة جنكيز خان، انقسمت الدولة إلى أربعة أقسام، وبدأ الإسلام ينتشر في أوساط المغول. اعتنق العديد منهم الإسلام، ويعتبر بركة خان هو أول أمير مغولي يدخل الإسلام، حيث كان آنذاك رئيسًا للقبيلة الذهبية في روسيا. وتوطدت علاقته بركن الدين الظاهر بيبرس، إذ كانا حليفين. وقد أدى دخول المغول في الإسلام إلى تحولهم من شعوب ثأرية إلى شعوب إنسانية محبة للخير.
حملات المغول على المسلمين
في عام 651 لهجرة، أُرسل هولاكو إلى إيران لمحاربة الإسماعيليين والقضاء على دولة العباسيين في بغداد. وقد أعد القان منكو أخاه هولاكو بعناية لهذه المهمة، وزوده بجنود مختارين يمتازون بدقة رمي السهام واستخدام المنجنيقات. كان عدد جيش هولاكو حوالي مئة وعشرين ألفًا، فتوجه مباشرة نحو إيران وقام بخضوعها لسلطانه في عام 653 للهجرة، وفُتحت قلعة ألموت، ثم انتقل إلى همدان استعدادًا لفتح بغداد.
توجه هولاكو نحو بغداد للقضاء على العباسيين في عام 656 للهجرة، وتمكن من إخضاعها بعد أربعين يومًا من القتل والتخريب، حيث قُتل المستعصم بالله الخليفة العباسي وعائلته، ولم ينجُ من هذه الغزوة إلا عدد قليل من المسلمين. بعدها، توجه هولاكو نحو الشام، وفي طريقه، قتل الملك الكامل محمد المظفر صاحب ميافارقين بسبب رفضه الاستسلام، كما دخل هولاكو مدينة حلب عام 658 للهجرة، وأسقطها حيث قُتلت سكانها واحتلت دمشق وغزة والخليل، وتمكنت جيوش المغول من سبي النساء والأطفال والاستيلاء على العديد من الغنائم.
معركة عين جالوت
بعد سيطرة المغول على غزة والشام، وضع المماليك خطة للتخلص من هذا الغزو، وكان هدفهم الرئيسي استعادة غزة. ولذلك، قاموا بتخطيط تسليح جيشهم وتنظيمه بتقسيمه إلى مجموعات تضم كل مجموعة 400 جندي. ومع هذه الاستعدادات، تقابل جيش المسلمين بالمغول وحقق المسلمون النصر، حيث بدأ المغول الانسحاب من المعركة. لكن جيش المسلمين بقيادة بيبرس طارد المغول حتى وصلوا إلى منطقة عين جالوت، حيث دارت المعركة الفاصلة التي ألحقت الهزيمة بالمغول. تمكن الظاهر بيبرس من تخليص الشام دون صعوبة، ومنذ تلك المعركة، توقف زحف المغول في أنحاء العالم بما في ذلك شمال إفريقيا وأوروبا والمغرب.