القرآن الكريم
تعتبر تسميات القرآن الكريم موضوع نقاش عميق بين العلماء، فقد أشار بعضهم إلى أن كلمة “قرآن” تُشتق من الفعل “قرأ”، بمعنى تلا. وعليه فإنّ القرآن يعني “المقروء” أو “المتلو”. بينما رأى آخرون أن أصل الاسم يأتي من معنى “جمع”، مما يعكس جمعه للأحكام العادلة والأخبار المفيدة. ويُعرف القرآن اصطلاحًا بأنه كلام الله -عز وجل- الذي أُوحِي إلى النبي محمد عليه الصلاة والسلام عبر الوحي بواسطة جبريل عليه السلام، ويُعتبر المصدر الرئيسي للتشريع الإسلامي، وهو محفوظ في الصدور ومكتوب في المصاحف ومقسّم إلى ثلاثين جزءًا، ويشتمل على مئة وأربعة عشر سورة.
ترتيب سور القرآن الكريم
تعرف السورة اصطلاحًا بأنها مجموعة من آيات القرآن الكريم، حيث يحدد أولها وآخرها بتوقيف. وقد اختلف العلماء في أصل كلمة “سورة”، فادّعى بعضهم أن التسمية مستمدة من سور البلد التي تحيط بالمنازل. بينما رأى آخرون أن الكلمة تُشتق من أسار الإناء، فهي دلالة على كونها جزءًا من القرآن الكريم. وقيل إن السبب في التسمية يعود إلى كمال السورة حيث يُطلق العرب اسم “السورة” على الناقة التامة. وقد أشار ابن كثير رحمه الله إلى اختلاف العلماء حول معنى السورة وما هو الاشتقاق الخاص بها. ومن المهم معرفة أن علماء الدين اختلفوا في ترتيب سور القرآن الكريم، وفيما يلي استعراض لآراء كل من الفرق الثلاثة:
- الفريق الأول: يُعتقد أن ترتيب سور القرآن الكريم في المصحف قد تم بتوقيف إلهي، حيث جاء ترتيب كل سورة بأمر من النبي -عليه الصلاة والسلام- عن جبريل -عليه السلام- بناءً على إرادة الله -عز وجل-. وبيّن أبو بكر الأنباري -رحمه الله- أن أي تعديل في تقديم أو تأخير السور من شأنه أن يُفسد تنظيم القرآن الكريم، إذ يتطلب التنسيق بين السور مثلما هو الحال مع الآيات. في حين أشار الكرماني في البرهان إلى أن ترتيب السور محفوظ في اللوح المحفوظ، وأكد أبو جعفر النحاس -رحمه الله- أن ترتيب السور في المصحف هو من النبي محمد صلى الله عليه وسلم. وقد أوضح الطيبي -رحمه الله- أن القرآن نزل في بداية الأمر جملة واحدة ثم فُصّل بعد ذلك بحسب الاحتياجات.
استند هذا الرأي إلى إجماع الصحابة -رضي الله عنهم- على ترتيب السور في المصحف العثماني. ولو لم يكن الترتيب توقيفيًا، لكان هناك تمسك من قبل أصحاب المصاحف المخالفة بهذا الترتيب. كما رُوي عن أوس بن أبي أوس الثقفي -رضي الله عنه- ما يدل على كيفية تحزيب القرآن الكريم في عهد الصحابة. وقد أشار ابن حجر العسقلاني -رحمه الله- إلى أن هذا الحديث يدل على أن ترتيب السور كما هو في المصحف الحالي كان موجودًا في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم.
- الفريق الثاني: يُعبر أتباع هذا الفريق عن وجهة نظرهم بأن ترتيب السور في المصحف نتيجة اجتهاد الصحابة -رضي الله عنهم-، وهو الرأي السائد. ويستند هذا الرأي إلى الاختلافات التي كانت موجودة في مصاحف الصحابة قبل جمع القرآن في مصحف واحد بواسطة عثمان رضي الله عنه. على سبيل المثال، قام علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- بترتيب السور وفقًا لتسلسل نزولها، بينما قام ابن مسعود -رضي الله عنه- بترتيبها بدءًا من سورة البقرة.
- الفريق الثالث: هناك من يعتقد أن بعض السور تمت بطريقة توقيفية، بينما تم ترتيب بعضها الآخر باجتهاد الصحابة -رضي الله عنهم-. وقد أوضح ابن عطية -رحمه الله- أن العديد من السور تم معرفتها في عهد النبي، وأشار إلى أن بعض الآثار تدلّ على ما هو أكثر مما ذكره ابن عطية في هذا السياق.
خصائص القرآن الكريم
القرآن الكريم هو كلام الله -تعالى- ودليل للحياة. إليكم بعضًا من خصائص هذا الكتاب العظيم:
- حفظ الله -تعالى- للقرآن: فقد تعهد الله بحفظ القرآن من أي تحريف، زيادة أو نقصان، حيث قال: (إِنّا نَحنُ نَزَّلنَا الذِّكرَ وَإِنّا لَهُ لَحافِظونَ). ولذا، فقد شجّع الله -عز وجل- الأمة على حفظ كتابه، مما يُظهر قدرة العرب على حفظ القصائد الطويلة بسهولة، وقد هيّأ العلماء لتعليم الأجيال المتعاقبة.
- الكتاب الأخير: أُنزِل القرآن الكريم ليكون خاتم الرسالات السماوية، ومهيمنًا على جميع الكتب السابقة، وذلك وفقًا لقوله تعالى: (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه).
- الإعجاز: تحدى الله -تعالى- الإنس والجن بمضمون القرآن، كما صرح في قوله: (قُل لَئِنِ اجتَمَعَتِ الإِنسُ وَالجِنُّ عَلى أَن يَأتوا بِمِثلِ هـذَا القُرآنِ لا يَأتونَ بِمِثلِهِ وَلَو كانَ بَعضُهُم لِبَعضٍ ظَهيرًا).